أخي الدكتور أحمد الرَّيْسوني سلّمك اللهُ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعيدا عن تزكية رأيِكَ أو نَقْدِهِ فإنِّـي أُقَدِّرُ شجاعتَكَ بصَدْعِكَ بِرَأْيِكَ، ولا يملك أحدُنا في كل أحوالِه ـ حُرًّا أو مُقَيَّدًا ـ غيرَ رأيِهِ العقَدِي أو الاجتماعي أو السياسيِّ.
وأُبارِكُ لك استقالَتَكَ مِنْ (اتحادٍ عالميٍّ لعلماء المسلمين) لَـمْ يَتعلَّمْ بعدُ: أنّ اللهَ يَأْذَنُ في يوم القيامة لكلِّ نفسٍ أنْ تُـجَادِلَ عن نفسِها، وأرسَلَ الرُّسُل لمحاورةِ أعدائِهِ المستكبرين ولم يُلزِموهم الإقرار بأقدَسِ الْـمُقَدَّساتِ (لا إلـهَ إلا اللهُ) ولم يُكرِهُوهُم حتى يكونوا مؤمنين، وأبْقَى الحِوار مفتوحا بين الحاكم وقُطاعِ الطرُقِ القتَلَةِ المفسدين في الأرض، وبين القاتِل وورثَة القَتِيل، وبين الزوجَيْنِ الْـمُطَلَّقَيْنِ..
ولا يضيقُ بالرأْيِ الْـمُخالِفِ إلّا مُقَلِّدًا فرعَوْنَ ذي الأوتادِ يأبَـى إلّا أنْ يُعطِّلَ الناسُ أدواتِ كَسْبِهم فلا يرَوْنَلأنفُسِهم إلا ما رآهُ هو أوْ عَلِمَه هو لهم.
أخي الدكتور أحمد الرّيسوني سلّمك اللهُ:
لقد ثبتَ جهرةً فَشَلُ التيارات والأحزاب الإسلامية المعاصِرة والروابط والهيئات الإسلامية بِقُصورِهم عن دَفْعِ التشرُّدِ والتعذيبِ، وبِقُصُورِهم عن مَنْعِ تـمدُّدِ الصفويّة الباطنيّة الثنويّة الديصانيّة في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وتكاد الصفويّة عَدُوِّ سِلْمِ المجتمعاتِ تَخترقُ منطقتَنا المغاربيّة وتُـمزِّقُها، وبِقُصُورِهم عن إقناعِ الجلّادِ في السجون الوطنيّة بعدَمِ التلذُّذِ بتعذِيبِ الْمُعارِضِين السياسيين، وبِقُصُورِهم عن حِوارٍ أو فِدْيَةٍ تَفُكُّ رقابَ الأسرى مِن الأطفال والنساء والشيوخ في السجون.
إنّ البشريّةَ اليوم تحتاجُ قوْمَةَ راشِدين عُقلاءَ مِن أهل العلم يجتمعون على:
ـ ضرورةِ الإسراع إلى نَزْعِ فَتِيلِ الفتن لِاسْتِبقاءِ ما تبقَّى مِن طمأنينة العامة والسِّلْمِ الاجتماعي وكرامةِ الإنسانِ.
ـ ضرورة الإسراعِ في إصلاحِ ذاتِ الْبَيْنِ بنَزْعِ فتيل الصراعِ بين الحكام والْمُعارضِين.
ـ ضرورة السعي إلى عزْلِ العامَّةِ عن شرَرِ الحروب.
ـ ضرورةِ السعيِ إلى جمع شَـمْلِ الشعب الواحِدِ وتكريس الوحدة والتكامُل بين الـمُسلمين.
ولا يَـحتمِلُ مبلغُ الجُرْحِ والقَرْحِ تأخيرَ ساعةٍ.
وإن المستضعفين المشرَّدين حيثُ كانوا وكيف دانُوا لأحْوَجُ إلى توبَة الذين شرَّدوهم ومزَّقوهم وحرَّقوهم مِن وَعْظِ الوُعّاظ واستنساخِ متونِ الفقه القديمة، فهلَّا بذَلْتم أيُّها الْمُصلِحون جهدا في الحِوارِ لدغدغة ما تبقَّى فيهم من الفطرة إذ هو أقْصَر الطرُقِ وأيْسَرُها إلى دَفْعِ معاناة المستضعفين.
أخي الفاضل:
وإنّ جميعَ الطرُقِ والطوائف والتيارات المنتسبة إلى الإسلام لتفتقر إلى حوارٍ يعتمدُ فضيلَةَ الإنصافِ بإتلافِ مبدإِ التعميمِ والإرجافِ، فما كلُّ صوفِيٍّ خُرافِيّا، وما كلُّ سلَفِيٍّ تكفِيريّا، وما كلُّ مُحبٍّ أهلَ بيْتِ النبوَّةِ من غُلاة الشيعة الباطنية، وما كلُّ قاضٍ مُرتَشِيا، وما كلُّ حاكِمٍ ظالما، وما كلُّ رَجُلِ أَمْنٍ يُعَذِّبُ المعارضين، وما كلُّ إسلاميٍّ يرفضُ التعايشَ ويضيقُ بالغيْرِ، وما كلُّ مُبْتَلًى بالإسلاموفوبيا يكره دِينَ اللهِ بل لعله نَفَرَ مِن صورةٍ مـمجوجة تصوّرَها عن الإسلام.
في الرابع من صفر 1444هـ
* الحسن ولد ماديك، باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة ولسان العرب، رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات