وجهة نظر

ارفع رأسك عاليا فأنت أستاذ

إلى كل مدرس ومدرسة..

سلام عليك.

أما قبل

أنت أستاذ..

ارفع رأسك عاليا يا صاحبي فأنت أستاذ..

كل الذين يحبونك والذين يكرهونك أنت علمتهم. هؤلاء المسيرون الذين يخططون بعشوائية إن خططوا ويرمونك بالتهم أنت درستهم.كل الذين يكتبون الشتائم ويتفننون في التنكيت بك أنت جعلتهم يميزون الألف من عصا الطبال. حتى الذين يحملون العصي ليضربوك كلما طالبت بحق كانوا قبل ذلك يفعلونها في سراويلهم وأنت تغسل أشياءهم، وحتى الذين أمروهم بضربك أنت من أمرتهم بإنجاز دروسهم ليتفوقوا حتى يحققوا أحلام آبائهم وأمل هذا الوطن، بل أنت زرعت في قلوبهم أن العسكر والشرطة يحمون الوطن، وعلينا أن نفخر بهم، وما كنت تظن أنهم سيُوظَّفون لضربك وضرب كل مقهور نادى بحقه، بل وكل عطشان صاح بما تبقى من لعاب في حلقه وشربة ماء.

أنت أستاذ .. ارفع رأسك عاليا يا صاحبي

أنت أكثر من يحمي أمن الوطن، أنت تضبط 160 تلميذا كل يوم، ولا أظن شرطيا يضبطهم ولو بعصاه وسلاحه الناري، أنت تحبهم جميعا.. حتى الذين يُنظر إليهم أنهم حشرات ضارة وأدمنوا المخدرات والإجرام أنت لا تضربهم، أنت لا تسجنهم، أنت لا تسبهم… أنت تدرسهم فقط، وتتحول إلى طبيب نفسي ومرافق اجتماعي لتنقذ منهم ما ومن يمكن إنقاذه… والويل لك إن غضبتَ أو أخطأت.. إنهم مستعدون لمعاقبتك، وسينشر إعلامُهم خبرَك في كل نادٍ وستقوم جمعيات بوقفات للتنديد بفعلك.. الويل لك.. لا تخطئ.

أنت أستاذ.. ارفع رأسك بشموخ يا صاحبي..

إن الوزير لا يشتري من أجرته دفاتر لتلاميذه ولا يتسول من أجل عيد لأرملة، وعلاج لمريض، ولا يقتني لوازم العمل من جيبه، ولا ينظف بيديه غير الكريمتين مقر عمله، ولا يقضي ليله مع كراسات التلاميذ، ولا يضيف ساعات مجانية لدعمهم ولتشجير المؤسسة وتحفيظ المتعلمين أناشيد “هوى وطني فوق كل هوى”… أنت تفعل كل ذلك وتنفق أجرك على أسرتك الكبيرة الفقيرة، ثم تُتّهم بأنت تتقاضى مالا كثيرا، وتقضي عطلا كثيرة، فلا تبال وقل لهم نكاية “هذا من فضل ربي”..

أنت أستاذ.. لا تخجل يا صاحبي..
وأنت تنزل من “طاكسي” أو “طرونزيت” أو من سيارتك المهترئة لا تخجل، فأنت لم تسرق ميزانية، ولم توفر لك الدولة سيارةَ عملٍ لتذهب بها إلى الشاطئ ليتنزه أبناؤك، ولم توفر لك سكنا، ولم تعطك لباسا رسميا يليق بك.. كل زادك طباشير تملأ به السبورة ليملأ التلاميذ دفاترهم، وتملأ رئتيك غبارا فيضيق تنفسك، وستمشي بما تبقى من عمرك لتدفع ملفا مرضيا إلى التعاضدية والموت أقرب إليك من حبل التقاعد.

أستاااااذ

ارفع رأسك عاليا يا صاحبي وواصل سيرك، وزع النور على الصغار والكبار ضدا في الظَّلَام والظُّلَّام، ازرع الأمل في المستقبل نكاية في الخيبة، وزع البسمة على كل حزين، اصدح بالحق نصرة لكل الكادحين والمسحوقين والمظلومين، اهتف “حقوقي حقوقي دم في عروقي”، غنّ “وطني الغالي لك إجلالي أنت في قلبي أنت في بالي” وتحَدّ كلَّ الذين وجدوا ملاعق ذهبية في أفواههم أن يرددوا معك أناشيد الوطن، بل تحدّ أكثرهم أن يستظهر النشيد الوطني، وإن فعل فهل يفقه منه كلمة! لا بأس أن يعودوا إلى الفصل ويجلسوا أمامك مجددا لتعلمهم كيف يعشق الناس الوطن، وكيف يخدمونه بإخلاص، وعلمهم الواجب قبل الحق، وعلمهم التواضع والحوار، والعدل والمساواة، والتعاون والتسامح… وكل القيم التي يحاولون أن يزرعوها في كتب مدرسية رديئة دون أن يتصفوا بها.

أنت أستاذ يا صاحبي فعش عزيزا “إن المعلم لا يعيش طويلا”.. كن شامخا كالنخيل إن الله يحبك، وكل الأخيار يحنون رؤوسَهم إجلالا لك.إن الأمم المتقدمة تمجدك وتعرف قدرك، فلا تنزعج إن ظلمك العابثون، وقل “يا ليت قومي يعملون” وإذا خاطبك الجاهلون قل سلاما، وواصل سيرك “منتصب القامة، مرفوع الهامة”…

كل حصة ودرس ويوم وشهر وسنة وزمان ومكان والمدرسون والمدرسات بخير.

تعليقات الزوار