مدينة أزمور
مجتمع

“الوجه الآخر”: أزمور.. التهميش والتفقير يحول مدينة بناها الملوك المغاربة إلى رقعة منكوبة

“حتى واحد ميمكن ليه يتلف إيلا نزلتوه قدام أزمور، يكفي أنه يشوف واد أم ربيع ويشوف الأسوار العتيقة ويعرف أنه في المغرب ويقول هذه من المدن الشاطئية لي كانوا فيها القصبات لي بناوها الملوك المغاربة كانوا سعديين ولا علويين، وهذا شيء منوط بكم وبمحبتكم في بلادكم”.

كانت هذه شهادة الملك الراحل الحسن الثاني الشهيرة، التي خلّدها الأزموريون عند مدخل مدينتهم، المدينة الشاهدة على عراقة الحضارة الإسلامية والتاريخ المغربي، والتي ذاع صيتها عالميًا، وكتبت حولها مؤلفات ترجمت إلى عدة لغات، وخرجت كبار المفكرين المغاربة والعرب، مثل عبد الله العروي.

لا يحتاج زائر مدينة أزمور إلى دليل للوصول إليها؛ فبعد قطع بضع كيلومترات من مدينة الدار البيضاء، التي قد تستغرق نحو ساعة من الزمن، ستظهر أمامه أسوارها العتيقة ومآذنها الشاهقة، متربعة على ضفاف وادي أم الربيع، وتحدها غربًا مياه المحيط الأطلسي.

إنها مدينة الأولياء والزوايا والتاريخ العريق، حيث انتصر سكانها بعزيمة وإصرار على المستعمر البرتغالي في فترة وجيزة. ومع ذلك، فإن الفقر والتهميش قد زحفا على المدينة في السنوات الأخيرة، فتحولت أسوارها ومعالمها التاريخية إلى أطلال مهملة، وعجزت إدارتها عن انتشالها من هذا الوضع المزري، مما جعلها تبدو كما يقول أهلها “مدينة منكوبة”.

ولا يختلف اثنان على أن أزمور كانت ذات ماضٍ مشرق ورفيع، أفضل بكثير من حاضرها الذي بات يرزح تحت وطأة التهميش والفقر، في غياب تام لأي مظاهر للتقدم أو التمدن. فلا وجود لبنية تحتية كافية من مرافق عامة، ولا مشاريع تنموية توفر فرص العمل أو الترفيه، ولا وسائل نقل متطورة، فضلًا عن انعدام التسويق لمعالمها التاريخية.

مدينة المشاريع المتوقفة

تلك الحاضرة التاريخية التي تعاني من التهميش والإقصاء دفعت العشرات من أبنائها، رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً، إلى الخروج في مسيرات احتجاجية استمرت لمدة شهرين، حيث لخصوا مطالبهم في رحيل زكرياء السملالي، رئيس بلدية أزمور، الذي استمر في إدارة المدينة لحوالي ثلاثين عامًا، وحملوه مسؤولية ما آلت إليه من تدهور وفساد في تدبير شؤونها.

المهدي ياسيف، أحد أبناء أزمور الذين انخرطوا مبكرًا في العمل السياسي بالمدينة، سعيًا لإيصال صوت الشباب الأزموري إلى المسؤولين، تحدث بمرارة عن الوضع الذي وصلت إليه هذه المدينة العريقة، قائلا إن حالة أزمور باتت مؤسفة جدًا، مشيرًا إلى أن كل زائر للمدينة، التي تربط بين الدار البيضاء والجديدة، يتساءل عن استمرار الصمت تجاه هذه الأوضاع “المزرية”.

وأضاف ياسيف أن الأوضاع التي تعيشها مدينة أزمور لم تعد مقبولة لدى سكانها أو في زمننا الحالي، متحديّا أي مسؤول ليصرح بأن أحد المشاريع التي بدأت في أزمور قد اكتمل، بما في ذلك مشروع الساحة الكبرى، ومشروع إعادة هيكلة المدينة العتيقة، والكورنيش.

مشروع “الضس”

من بين المشاريع التي أشعلت غضب الأزموريين ودفعَتهم إلى الاحتجاج والمطالبة برحيل رئيس البلدية زكرياء السملالي، كان مشروع الساحة، أو كما أطلق عليه أبناء المدينة “مشروع الضس”، والذي توقفت أشغاله منذ أربع سنوات.

هذا المشروع يفتقر إلى أبسط معايير السلامة والأمن، حيث تحيط به أسلاك وقصدير من كل جانب، في حين يستمر عاملان فقط في نقل الأحجار داخل الساحة دون أن يحدث أي تقدم يُذكر في معالم المشروع. كان من المتوقع أن يصبح هذا المشروع، عند اكتماله، متنفسًا للساكنة وفضاءً للأنشطة الثقافية والفنية.

مجموعة من المشاريع المتوقفة حولت أزمور إلى مدينة شبه مدمرة، بحسب ما ذكره الفاعل الجمعوي جلال ظافر، حيث أصبحت المدينة تعاني من دمار شامل على المستويات التجهيزية، الاقتصادية، الاجتماعية، العمرانية، وكذلك على مستوى المرافق الحيوية.

مآثر طالها الإهمال

مدينة التصوف والأولياء، التي تلاقت فيها آثار التاريخ الروماني مع معالم التاريخ الإسلامي، إضافة إلى مكوناتها الطبيعية التي تتجلى في نهر أم الربيع والمحيط الأطلسي وغابة أزمور، لا تستغلها السلطات سياحيًا لتنمية المدينة.

أستاذ الجغرافيا والفاعل الجمعوي بجماعة أزمور، جلال ظافر، عبّر عن أسفه لإغلاق العديد من المعالم التاريخية في أزمور، وعلى رأسها المساجد التاريخية، دون أن تتحرك الجهات المسؤولة لإصلاحها. كما أشار إلى إهمال معالم كثيرة من شأن استغلالها أن تحول أزمور إلى وجهة سياحية.

وأضاف ظافر أن آثار أزمور، التي لا تُستغل في التسويق السياحي للمدينة، تتعرض أيضًا للتهميش، مثل السور البرتغالي الذي تراكمت بجوانبه الأتربة بعد إهمال الحدائق التي كانت تُزيّن محيطه واختفت تمامًا عن الوجود.

من جهته، يقول نائب رئيس بلدية أزمور، عزيز باركو، إن المجلس الحالي تواصل مع مجموعة من الشركاء يُعرفون بـ “أصدقاء أزمور”، بينهم أزموريون يهود ومقيمون في أوروبا، من أجل الاستفادة من خبراتهم في النهوض بالوضع السياحي والثقافي في المدينة.

انسداد الأفق

توقف المشاريع وركود الوضع السياحي أدى إلى ركود الوضع الاقتصادي في أزمور، مما أسفر عن مظاهر أخرى يعاني منها شباب المدينة. فخريجوها والمجازون يواجهون غياب فرص العمل، بينما اختار آخرون الهروب إلى قوارب الموت كوسيلة للتخلص من هذا الواقع القاسي.

محسن الشباني هو نموذج لهؤلاء الشباب، حيث اصطدم بعد تخرجه بواقع مرير يتمثل في البطالة. وفي حديثه في برنامج “الوجه الآخر”، أشار إلى غياب الشركات والمصانع التي من شأنها استيعاب العاطلين عن العمل، مرفقًا ذلك بضعف البرامج الحكومية في المدينة.

يقول محسن إن أوراش العمل، على سبيل المثال، لا تقدم لأزمور سوى حصة ضئيلة جدًا من فرص التشغيل، وهو ما يعتبره ظلمًا. وتساءل عما إذا كانت هناك أيادي خفية تسعى إلى بقاء أزمور مدينة مهمشة وفقيرة.

من جهته، عبّر جلال ظافر، كأستاذ، عن ألمه لرؤية حلم العديد من تلاميذه يتحول إلى الهجرة إلى “فردوس أوروبا”، حتى وإن كان ذلك على حساب أرواحهم بركوب قوارب الموت.

وإضافة إلى ذلك، اختار العديد من الشباب التسول، حيث أكد جلال أن عددًا كبيرًا من المتسولين في أزمور هم من كانوا رفاقه في الدراسة. وأمام انسداد الأفق وغياب فرص العمل، لجأوا إلى “السعاية” كوسيلة للبقاء على قيد الحياة.

تقاذف المسؤوليات

أمام واقع مدينة أزمور “المدمر”، كما يشهد أبناء المدينة والفاعلون فيها، شدد نائب رئيس بلدية أزمور، عزيز باركو، على أن المجلس يبذل مجهودات كبيرة ويراسل جميع الجهات لانتشال المدينة مما آلت إليه، محملاً مسؤولية عجز المجلس في مواجهة هذا الواقع إلى ضعف ميزانية المجلس البلدي. وأكد أنهم راسلوا وزارة الداخلية بشأن هذا الوضع، ولكنهم لم يتلقوا أي رد.

وفي الوقت الذي خرج فيه أبناء أزمور للمطالبة بإنقاذ مدينتهم، أشار باركو إلى أن الاحتجاجات تقف وراءها جهات مستفيدة، مؤكدًا على أن وضع أزمور يتطلب من الجميع أن يلعب دوره بعيدًا عن المزايدات السياسية.

بينما اشتكى المسؤول من كونه متضررًا أيضًا، مشددًا على ضعف ميزانية المدينة وعجزها عن إتمام المشاريع المتوقفة، قال المستشار بالمجلس البلدي، المهدي ياسيف، إن المجلس السابق بدد 6 مليارات من المال العام بشكل عشوائي ودون محاسبة.

واعتبر ياسيف أنه لو تم استغلال هذا المبلغ الكبير في مشاريع تنموية، لما كانت أزمور في الوضع الحالي. وأكد أن المشكلة لا تتعلق بالميزانية أو بالمشاريع فحسب، بل ترتبط بالأساس بالكفاءات القادرة على تدبير هذه الأموال والمشاريع بمسؤولية.