دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى إعادة النظر في نموذج النمو القائم على مركزية القطاع الفلاحي، كخيار استراتيجي لضمان الحق في الماء، وذلك من خلال تقييم الكلفة المائية لنموذج النمو الذي يقوم على جعل القطاع الفلاحي قطاعا تصديريا وتشغيليا، وتنويع النشاط الاقتصادي عبر دعم القطاعات الأقل استهلاكا للموارد المائية للبلاد، والقادرة على إنعاش سوق الشغل واقتحام الأسواق الخارجية.
وضمن الخيار ذاته، دعا المجلس إلى العمل على التكييف التدريجي لنوعية الزراعات الموجهة للتصدير مع التحولات المناخية للبلاد وقدراتها المائية، وبإلزام المستثمرين في القطاع الفلاحي بالمشاركة في مشروع تشجيع إعادة التشجير وإنشاء المناطق الخضراء في المغرب لإحياء القطاع الغابوي الوطني وتوسيعه.
جاء ذلك ضمن التوصيات المتعلقة بالخيارات الاستراتيجية الستة لحماية الحق في الماء، والتي أصدرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ضمن مذكرة حول ‘‘ الحق في الماء: مدخل لمواجهة الإجهاد المائي بالمغرب‘‘.
وأوصت المذكرة فيما يتعلق بأولوية الأمن وحماية حق الأجيال القادمة في الثروة المائية، باعتماد سياسات مائية مستدامة تقوم على أولوية ضمان الحق في الغداء لكل المغاربة وللأجيال القادمة، تحقيقا للاكتفاء الذاتي، وإلى وضع نماذج توزيع الموارد المائية الجوفية لضمان الحق في الغداء للعقود القادمة بما يسمح بالتقليص التدريجي لهامش التأثر بتقلبات الظرفية العالمية وتقلبات أسعار المواد الفلاحية في الأسواق الدولية.
وأكدت المذكرة ضمن اختياراتها على ضرورة التعاطي مع الجفاف باعتباره معطى بنيويا وليس ظرفيا، وذلك من خلال بناء نموذج صمود أمام التغيرات المناخية بما يسمح بتعزيز القدرات المائية للمغرب على المدى الطويل وضمان الحق في الماء للأجيال القادمة، وعلى وضع السياسات العمومية والمخططات الاستثمارية بطريقة قابلة للتكيف مع سنوات الجفاف والتعامل مع هذا الأخير باعتباره معطا بنيويا.
وفي السياق ذاته أوصى المجلس باستثمار الأبحاث العلمية في مجال دراسة المناخ لبناء نموذج افتراضي مستقبلي توقعي لتحولات المناخ خلال المائة سنة القادمة واعتماده كأساس لبناء السياسات العمومية المائية والاقتصادية.
كما دعا إلى ضرورة الانتقال في تدبير السياسات المائية من إدارة العرض، التي تفترض أن الماء متوفر لتغطية لكل الحاجات الاستهلاكية سواء المنزلية أو الاقتصادية إلى إدارة الطلب، حيث تكون الاستجابة على أساس ما تسمح به الوضعية المائية.
وعن الخيار الاستراتيجي الرابع المتعلق بتعزيز الاهتمام بالبحث العلمي حول قضايا المناخ، فقد نبهت المذكرة إلى أهمية التعامل مع البحث العلمي كخيار استراتيجي ينبغي أن يراهن عليه المغرب لتطوير قدراته في المجالات الحيوية كتحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة وتطوير تقنيات الري المقتصدة للماء.
ودعا لمصدر ذاته إلى تطوير البحث العلمي في مجال إدارة وتدبير الموارد المائية، وإشراك المؤسسات الجامعية والمعاهد الكبرى وكل المؤسسات ذات الصلة في إعداد وتنفيذ السياسة المائية، وإلى تخصیص برامج بحثية موجهة لتطوير تكنولوجيا أقل تكلفة بما يضمن تخفيض كلفة تحلية مياه البحر وتقليص آثارها في مجال التلوث، دون إغفال إشراك القطاع الخاص في تمويل برامج تطوير البحث العلمي حول قضايا الماء والمناخ.
وعن تحسين حكامة قطاع الماء كخيار استراتيجي خامس، فقد أوصى المجلس بمراجعة حكامة قطاع الماء وفق رؤية تسمح بإرساء إطار مؤسساتي قادر على تحقيق التوازن المطلوب بين الحاجة إلى اتخاذ تدابير استعجالية لضمان الحق في الماء وبناء تصور استراتيجي بعيد المدى لتدبير الموارد المائية.
ودعا إلى الالتزام بالتدبير التشاركي لموضوع الماء، وتعزيز انخراط الساكنة المحلية في جهود الحفاظ على الموارد المائية باعتبارها من عناصر استقرارها الاجتماعي والاقتصادي على اعتبار أن غياب إشراك المواطن والساكنة المحلية في تدبير موضوع الماء يعمق تبذير هذا المورد.
ونبه إلى ضرورة تفعيل وتطبيق مقتضيات القانون رقم 36.15 وتحيينه ليواكب التسارع الذي يعرفه استنزاف الموارد المائية للبلاد، واستفحال الإجهاد المائي، وإلى خلق محاكم مائية تشرف على تطبيق قوانين الماء وتسهر على متابعة تنفيذ القضايا المتعلقة بالماء والموارد الطبيعية الأخرى، ثم تفعيل المخطط الوطني للماء، وإخضاعه للتقييم، وفتحه للنقاش المجتمعي وإشراك كل الفاعلين فيه.
وبخصوص الخيار الاستراتيجي الأخير المتعلق بعقلنة وترشيد الاستهلاك المنزلي فدعت المذكرة إلى ترشيد السلوك الاستهلاكي للأفراد بما يضمن التعامل مع الموارد المائية بناء على مبدأ الندرة لا مبدأ الوفرة، وإلى إشراك المدرسة المغربية وباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تعليم وتدريب الأطفال والشباب على الحفاظ على الماء وتحسين السلوك الاستهلاكي، من خلال وسائل بيداغوجية ملائمة حسب الفئات العمرية.
وأوصت بالتفكير في التدابير والإجراءات الكفيلة بتغيير السلوك الاستهلاكي للماء عبر تصحيح اختلالات العلاقة بين ثمن الماء وقيمته الحقيقية، وبإعداد شبكة من التحفيزات وطنيا وجهويا لتعبئة المواطنين وتأهيلهم للانخراط في سلوك تدبير الندرة.