منتدى العمق

هلوسة 8: السيد تسعين

في طريقنا إلى مراكش المحروسة، ركبنا حافلة موروثة عن أبينا الاستعمار. كانت الحافلة تسير بسرعة فائقة جدا، فتسبق الدراجات العادية والشاحنات والحافلات الجديدة وحتى “الحديدات الواعرة” التي تجري بسرعة جنونية طيلة النهار، وبُعَيد المغيب تمشي ببطء جنب الرصيف، وصاحبها “البوكوص” يحاول أن يصيد في الشارع العام “توتة بنت الّذين”…

انشغل أغلب الركاب بهواتفهم المحمولة إلى أن ظهر شاب “واعر” -لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد- كان يركب دراجة نارية بيضاء لامعة من نوع “السيد تسعين” “عمّر الله داره” فقد قلّ ثمنه، وكثر نفعه وضره.. كانت الدراجة تتجاوز الدراجات والشاحنات والحافلات الجديدة و”الحديدات الواعرة” التي تجري بسرعة جنونية طيلة النهار وتسير سير السلحفاة أمام الثانويات وبُعيد المغيب جنب الرصيف. بل إن ما أثار اندهاش الركاب بمن فيهم أنا -حفظني الله وأطال الله بقائي- أنها سبقت حافلتنا بنت الاستعمار التي تسبق الدراجات والشاحنات والحافلات الجديدة و”الحديدات الواعرة” التي…
كنا زهاء خمسين راكبا دون “سورشارج” المكدسين في الزنقة. كانت أكثر من مائة عين تنظر إلى ذلك “السيد تسعين” المنطلق كالسهم وهو يتجاوز الجميع إلى أن غاب عن الأنظار، وظلت حافلتنا تجري وتجري ويكاد “قلبها يخرج”…

ثم إننا وصلنا “جوقة” من البشر يقطعون الطريق، وبينهم رجال شرطة بلباسهم الجديد ينظمون حركة السير  وواحد منهم يصيح في الجوقة: “واسيادنا اللي ما وسع الدارة تولد امو حمارة”.

كان الشاب قد “تكرشخ” على “الكوضرون” وتكسرت عظامه، وسالت دماؤه.. فردد أكثر الركاب”هاهو جابها فراسو” بينما أنّت امرأة خمسينية وأردفت “كية أمه مسكينة”.
ثم إنني قمت أمام الركاب واعتليت “مرتفعا بجانب السائق في الحافلات القديمة”، وقد راودتني فكرة بيع أعشاب تصلح للنجاح والعمل والعقر والزواج و”الفيزا” و”الباسبور” والحماية من العين والسحر… لكنني لعنت الشيطان الرجيم، فحمدت الله وأثنيت عليه، وشكرت السلطة المحلية، ثم خطبت في القوم : “والله العظيم وما تسالوني حلوف ويديروني وزير لمدة خمس دقائق لأصدرت قرارا بجمع كل الدراجات النارية في “الفوريان”، ولصنفت C90  ضمن المخدرات، ولوضعت الشركة المصدرة لها في خانة المنظمات الإرهابية”.. وقبل أن أنهي خطابي قاطعني شاب يُرى عليه أثر الطباشير ويعرفه منا أحد: “ودوك المشاكل ديال الحركة الانتقالية والترقية يا معالي الوزير”.