منتدى العمق

عندما يصل النضال درجة الفحش

الشغيلة التعليمية بالمغرب متخلفة عن الركب العالمي بسنوات على مستويات عدة، و في مقدمتها، استيعاب ماذا يعني أن تكون موظفاً، و على وجه التحديد مُكلفاً بالتدريس. لازال البعض يعتقد بأن الوظيفة العمومية هي مكان مناسب للراحة و الاحتماء من المحاسبة.

لا يجب فهم بالإضراب بطريقة مُشوهة و مُطْلَقة، ينتفي معها استيعاب خصائص كل قطاع: فهناك فرق شاسع من حيث الأطراف التي يقع عليها الضرر في حالة إضراب عمال بشركة لصناعة السكر، مثلا، و بين إضراب أساتذة و لو على مستوى مؤسسة تربوية واحدة: ففي السيناريو الأول يكون “صِراع” الجماعة ضد الفرد (رئيس الشركة أو المستثمر) كمتضرر مباشر، و يكون التنازع، بشكل أو بآخر، حول اقتسام الأرباح بشكل تناسبي (مزيد من المال مقابل مزيد من الجهد). أما في حالة الإضراب التربوي فإننا نكون بصدد صراع “الجماعة” ضد “الكل”، أو بشكل أدق، “الكل” ضد “الكل”، و هذا يعني أن حجم الضرر بالغ الخطورة، بل فيه مس بأبسط حقوق الجماعة، خاصة إذا كانت هذه الجماعة هشة و محمية بمفهوم الرعية الديني (كلكم راعِ، و كلكم مسؤول عن رعيته/الحديث)، فضلا عن قوانين الطفولة (التلاميذ) و حقوق الإنسان. أكثر من هذا، فيه تهديد لبنى الدولة و سلامة المجتمع ككل على المدى القريب و البعيد.

الحصول على شهادة جامعية، في ظروف اجتماعية و فكرية ضيقة، لا يخول للموظف اتخاذ موقف المشترط على المشغل، لأن الحصول على وظيفة ما هو إلا بداية فعلية للتعلم التخصصي الحقيقي و النمو الفكري و المهاراتي، و هذه الأمور لا تحصل بمجرد الحصول على رقم التأجير أو معاينة تحويل أول أجرة إلى رقم الحساب الخاص للموظف. إنها تبدأ، فعلا، من نظام أساسي شبيه بالنظم الأساسية المعمول بها في كافة أرجاء العالم، و الذي يُحدد الواجبات و الالتزامات كأول شرط يقبل به المتقدم لأي وظيفة قبل حتى المرور إلى باقي شروط التوظيف، كشرط الصحة النفسية و الجسدية، و نظافة السجل العدلي، و أخذ البصمات…

نقابيا، من وجهة نظري ليس هناك عمل نقابي أخلاقي أو مواطناتي بالمغرب: قبل أقل من أربع سنوات كانت بعض النقابات المتحزبة (وكل النقابات متحزبة، و في جوهرها مؤسسات توظيفية/تشغيلية)  تصفق لقرارات إصلاحية جريئة و تدافع عنها، كان أهمها “الأجر مقابل العمل”. اليوم تتصدر نفس النقابات و الأصوات – و من موقع دستوري جديد- الدعوة إلى إضرابات وطنية—مع الحرص على عدم الاقتطاع من أجرة المضربين— ليس من ساعة أو صبيحة، أو حتى يوماً كاملا، بل من أربعة أيام تنتهي عشية الجمعة لكي تكون فرصة لمنعدمي الضمير  و الانسانية ليضيفوا إليها السبت و الأحد، في ظل إدارات متواطئة و عدم وجود الرقابة الالكترونية التي توفرها الكاميرات،  و غياب توقيع الدخول للمؤسسات إلكترونيا، كما هو الحال في أبسط الدكاكين التجارية في البلدان التي تحترم وقتها و مسؤوليتها.

و نحن في دجنبر من سنة 2023، لازال بعض الأساتذة يمضون 85% أو أكثر من وقتهم خارج فضاء الفصل، حتى و هم في أيام العمل، يتجاذبون أطراف الحديث مع من هم على شاكلتهم، غير آبهين لا بحقوق الأفراد و لا المؤسسات. يحدث هذا في قلب المدن و الحواضر، غير بعيد عن الأكاديميات و المديريات الإقليمية. أما الوضع في العالم القروي، فتلك قصة أخرى.

تعليقات الزوار