نبتة القنب الهندي
اقتصاد

العفو الملكي عن مزارعي القنب الهندي.. خطوة تاريخية تعيد تشكيل مستقبل زراعة “الكيف” بالمغرب

“كنا عايشين معذبين، وكنت ديما محكور وخوفان وبدون قيمة.. لكن الآن غنرجع لزراعة الكيف وراسي مرفوع، كنشكر بزاف بزاف بزاف الملك الذي فاجأنا بهذه الالتفاتة العظيمة وأعاد لنا كرامتنا”، هكذا عبَّر مزارع الكيف بإقليم تاونات، عبد العالي الوردي، عن فرحته بالعفو الملكي عنه بلهجته الجبلية البسيطة، بعدما أدين بسنة حبسا نافذا قضى منه شهرين بسبب زراعته للقنب الهندي.

ففي خطوة تاريخية، أصدر الملك محمد السادس في 20 غشت 2024، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، عفوا ملكيا عن 4831 شخصاً مدانين أو متابعين أو مبحوث عنهم في قضايا تتعلق بزراعة القنب الهندي المعروف محلياً بـ”الكيف”، وهي النبتة التي تستخدم في إنتاج مخدر “الحشيش”، كما تستعمل أيضا في إنتاج مواد طبية وشبه طبية.

ويشكل العفو الملكي تحولاً جوهرياً في حياة آلاف المزارعين وعائلاتهم، ويعيد تشكيل مستقبل زراعة “الكيف” في مناطق ظلت لعقود طويلة تعاني من التهميش والابتزاز والملاحقة، وسط آمال بتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة بالأقاليم المعنية بالموضوع.

هذه الخطوة تأتي في وقت يشهد فيه المغرب تحولاً كبيراً في مجال زراعة القنب الهندي، بعد الشروع في تنزيل مقتضيات القانون رقم 13.21 الذي ينظم استخدام “الكيف” لأغراض طبية وصناعية، وهو ما شكل إنهاءً لتناقض قانوني تجسد في تقنين “الكيف” مع الاستمرار في ملاحقة مزارعيه.

وبحسب بلاغ العفو، فإن هذه الالتفاتة الملكية ستمكن المستفيدين من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، والأثر المهيكل الذي سيحدثه نشاطها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تصنيع وتحويل وتصدير القنب الهندي واستيراد منتوجاته لأغراض طبية وصيدلية وصناعية، وكذا المساهمة في تطوير الزراعات البديلة والأنشطة غير الفلاحية.

“الملك أعاد كرامتنا”

آلاف المزارعين وعائلاتهم عانوا لعقود طويلة من الخوف والترهيب بسبب القنب الهندي، خاصة في الأقاليم الشمالية للمملكة (شفشاون والحسيمة وتاونات ووزان وتطوان والعرائش)، إذ عاشوا تحت وطأة الملاحقات القانونية، مما أثر بشكل كبير على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، قبل أن ينهي العفو الملكي كل هذا المسار الطويل من المعاناة، ويقدم لساكنة المناطق المعنية فرصة لإعادة بناء حياتهم والاندماج من جديد في المجتمع بدون مخاوف أمنية وقانونية.

تُظهر تصريحات المزارعين وعائلاتهم شعورهم بالارتياح والفرح بهذا العفو التاريخي، معتبرين أنه يمثل لحظة مصالحة تاريخية. يقول عبد الوهاب بروح في تصريح لـ”العمق”، وهو مزارع استفاد من العفو الملكي بمنطقة خميس المضيق بضواحي شفشاون: “هذا العفو أعاد لنا كرامتنا بعد سنوات من الخوف والاعتقال. أصبح بإمكاننا الآن العودة إلى حياتنا الطبيعية بدون رعب من الاعتقال”.

وبقدر ما يعكس هذا العفو الملكي يعكس التزام الدولة بتحسين الأوضاع المعيشية في هذه المناطق، فإنه بالقدر ذاته يزيل التهديدات القانونية التي كانت تؤثر بشكل كبير على حياة المزارعين وعائلاتهم، وهو ما تجلى في حالة المزارع عبد العالي الوردي من إقليم تاونات، والذي أدين بسنة حبسا نافذا قضى منه شهرين، قبل أن يشمله العفو الملكي.

يقول الوردي في حديثه لـ”العمق”: “منذ 2001 وأنا أسرتي نعيش في رعب ونتعرض لاعتداءات وترهيبات، ولا نستطيع التوجه لا إلى المدينة ولا للسوق ولا يمكننا إعداد وثائقنا الإدارية، لكن الآن انتهى كل شيء بقرار من الملك، وسأعود لحياتي الطبيعية، وهذه فرحة عظيمة لي ولأسرتي”.

وبنفس الفرحة، عبَّرت أسرة الوردي الذي يعيل 14 فردا، عن فرحتها الكبيرة بالعفو الملكي. تقول زوجته لـ”العمق”: “كنا دائما نعيش في حالة رعب، ووضعيتنا يرثى لها، وهذه مفاجأة عظيمة من طرف الملك”، فيما يوضح ابنها (سبق أن اعتقل لنفس التهمة”، أن الكيف هو لقمة العيش الوحيدة لعائلته، مردفا: “حين يذهب والدي للسجن نعيش حياة مليئة بالعذاء، وهذا ما جعلنا نمضي ليلة بيضاء من الفرح بعد العفو عن والدي”.

من جانبه، يقول محمد بغادي، المزارع الذي استفاد بدوره من العفو الملكي بجماعة تفرانت بإقليم تاونات: “حُكم عليَّ بعام حبسا نافذا وغرامة 10 آلاف درهم، لكن الملك أوقف هذه المعاناة. وأخيرا سنعش الطمأنينة مع عائلاتنا، وهذه فرصة أعطاها لنا الملك للإندماج في المجتمع عبر الزراعة المقننة”.

ومن تاونات إلى جماعة بني سلمان بإقليم شفشاون، انتهت حياة الاعتقال والملاحقات بالنسبة للمزارع العباس أزلام، والذي قال في تصريحه لـ”العمق”: “10 سنوات وأنا مقطوع عن العالم، لا أستطيع الذهاب إلى المستشفيات ولا إلى السوق وأعيش بدون بطاقة وطنية منذ عقد من الزمن، لذلك كانت الفرحة كبيرة جدا، والتقيت بأشخاص لم ألتقيهم منذ سنوات طويلة، أشكر الملك كثيرا”.

فالعفو الملكي ليس فقط قراراً إداريا، بل هو أيضاً تعبير عن العطف والاهتمام بمشاكل المجتمع، فهو يعيد الأمل للكثيرين الذين فقدوا الثقة في الدولة وأصبحوا يعيشون في خوف دائم. هذا التحول قد يساهم في تحسين العلاقات بين المجتمع والحكومة، مما يعزز التماسك الاجتماعي في المناطق المتأثرة.

في هذا الصدد، يرى عبد المجيد أحاراز، الفاعل الجمعوي البارز بجماعة باب برد الشهيرة بزراعة الكيف بإقليم شفشاون، إن العفو الملكي يعيد بشكل عملي الكرامة لآلاف المزارعين ويشكل لحظة مصالحة تاريخية من واقع المنطقة.

ويوضح أحاراز في حديثه لـ”العمق”، أن هؤلاء المزارعين وآباءهم وأجدادهم ظلوا لعقود طويلة محرومين من حرياتهم بسبب زراعة الكيف التي تشكل لقمة عيشهم، لافتا إلى وجود آخرين مدانين أو متابعين أو مبحوث عنهم، لم يسبق أن اشتغلوا في زراعة هذه النبتة، بل ذهبوا ضحية شكايات كيدية فقط.

وأبرز المتحدث أن معاناة سكان مناطق الكيف وصلت إلى درجة أن الإدلاء ببطاقة وطنية تتضمن “باب برد” كمكان للإقامة، على سبيل المثال، يعرض صاحبها للترهيب والابتزاز، لافتا بالمقابل إلى أن الزراعة الوحيدة التي تنجح في تلك المناطق هي القنب الهندي، مردفا: “نتمنى بعد العفو الملكي مواكبة المزارعين لتنمية المنطقة”.

إنهاء “تناقض قانوني”

من الناحية القانونية، مثل العفو الملكي إنهاءً لتناقضات قانونية باتت تؤرق الحكومة. فبعدما صادق البرلمان المغربي على القانون رقم 13.21 الذي ينظم زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، أصبح من غير المنطقي الاستمرار في اعتقال وملاحقة مزارعي الكيف، إذ كيف يستقيم تقنين زراعة الكيف، وفي نفس الوقت الاستمرار في سجن واعتقال مزارعي هذه النبتة، وهو ما شكل وضعا قانونيا غير منطقي.

في هذا الإطار، أوضح محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، أن هذا العفو الملكي يختلف عن سابقيه تماما، باعتبار أنه مرتبط بسياق سياسي محدد، مشيرا إلى أن هذا العفو شكل تصحيحا للتناقض بين الوضعية القانونية الجديدة والملاحقات السابقة، وعزز من انسجام النظام القانوني في المغرب.

وتابع شقير في حديثه لـ”العمق”: “لا يعقل أن تتم شرعنة العمل بهذه القانون ورفع الطابع الجرمي عن فعل كان يُعتبر سابقًا جريمة، ويتم الاستمرار في ملاحقة هؤلاء الأشخاص”، مبرزًا أنه أصبح من غير الطبيعي الاستمرار في ملاحقة الأشخاص الذين صدرت في حقهم عقوبات في هذا الإطار.

وأضاف المحلل السياسي أن العفو كان ضروريًا ويندرج في السياق الذي نهجته الدولة خلال السنتين الأخيرتين من خلال مصادقة البرلمان على زراعة القنب الهندي، والإجراءات المتخذة إداريًا من طرف السلطات في هذا الإطار، مؤكدا أن هذا العفو يعزز الانسجام في المنطق القانوني للدولة.

واعتبر أن هذا العفو يؤكد التخلي عن ملاحقة فئة كبيرة من المزارعين، خصوصًا المزارعين الصغار، الذين عاشوا سابقًا حياة مضطربة وخارجة عن القانون، ولم يكونوا يتوفرون حتى على بطاقة هوية، وحتى أبناؤهم أحيانًا كانوا يواجهون صعوبات في التسجيل في وثائق الحالة المدنية.

وشدد شقير على أن هذا العفو الملكي يمثل، أيضا، خطوة ضرورية لملاءمة السياسات القانونية والجنائية المغربية مع التغييرات التي طرأت على قوانين زراعة القنب الهندي، وطنيا ودوليا، لافتا إلى أن العفو يعكس التزام الدولة بإصلاح النظام القانوني وتعزيز العدالة.

في سياق متصل، قد يلعب العفو الملكي دوراً حاسما في تقليص تأثير تجار الانتخابات الذين يستغلون المخاوف القانونية للمزارعين لتحقيق مكاسب سياسية، إذ يرى الباحث في العلوم السياسية، أنس الحيمر، أن هذا العفو يساهم في إخراج ملف “الكيف” من دائرة التسييس.

وأوضح الحيمر، في تصريح للجريدة، إلى أن ملف “الكيف” كان، وما زال، نقطة جذب كبيرة للعديد من الفاعلين السياسيين، مضيفا أن هذا العفو يأتي كخطوة ثانية بعد تقنين زراعة “الكيف”، مما يبرز الرغبة في معالجة هذا الملف بشكل متوازن ومستدام، بعيدًا عن أي استغلال سياسي، لافتا إلى أن التحولات الجارية قد تؤدي إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية بالمناطق المعنية.

في نفس الصدد، رحب المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعفو الملكي عن مزارعي الكيف، مشيراً إلى أنه يتماشى مع الاستراتيجيات الهادفة لتعزيز التنمية المستدامة والعدالة المجالية، وعزز التزام المغرب بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وإدماج المزارعين الصغار في الأنشطة القانونية المتعلقة بالقنب الهندي.

ويرى المجلس، بحسب بلاغ له، أن العفو الملكي يعكس التزام الدولة بتحقيق التنمية المستدامة من خلال الاستفادة من الموارد المحلية وتعزيز الحقوق الاجتماعية، كما يدعم رؤية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات بطريقة تركز على حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

وأشار المجلس إلى أن الخطوة تعزز من العدالة الاجتماعية من خلال توفير فرصة للمزارعين للاندماج في الاقتصاد القانوني وتطوير القطاع بشكل مستدام، وهو ما يعكس التزام المملكة المغربية بتحقيق التنمية الشاملة وتعزيز العدالة المجالية في المناطق الريفية.

من جانب آخر، يشير المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى أهمية مراقبة تنفيذ العفو وتوفير الدعم للمستفيدين منه لضمان نجاح عملية إعادة الاندماج، لافتا إلى أن هذا الأمر يتطلب تعاوناً بين الحكومة والمجتمع المدني لتقديم الدعم المطلوب وتسهيل عملية الانتقال إلى الوضع القانوني الجديد.

فرصة لتنمية اقتصادية حقيقية

العفو الملكي يحمل تأثيرات اقتصادية هامة، حيث يعزز من فرص الاستثمار في المناطق التي تعتمد على زراعة القنب الهندي. فبموجب القانون الجديد، يتمتع المزارعون بفرصة العمل ضمن إطار قانوني يضمن لهم الحصول على عائدات عادلة لمحاصيلهم، مما يعزز قدرتهم على تحسين أوضاعهم الاقتصادية.

ويدعم هذا العفو إجراءات تنزيل القانون 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، إذ سيمكن المزارعين من بيع منتجاتهم وفق أسعار السوق الحالية، مما سيؤدي إلى تحسين مستوى معيشتهم وتحقيق استقرار اقتصادي لهم ولأسرهم، وهو ما يمثل دفعة قوية لاقتصاد المناطق الشمالية.

كما يمكن لهذا العفو أن يؤثر إيجابيا على السياحة بالمناطق التي تعتمد على زراعة “الكيف”، باعتبارها أيضاً وجهات سياحية ذات طبيعة خلابة وتاريخية، إذ إن تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في هذه المناطق قد يعزز من جذب السياح ويشجع على تطوير البنية التحتية السياحية، خاصة بإقليمي شفشاون والحسيمة.

في هذا الإطار، يوضح إحسان صدقي، المدير الإقليمي للوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي بإقليم تاونات، أن العفو يفتح أبواب أمام المزارعين الاندماج الفوري في سلسلة إنتاج القنب الهندي المقنن، عبر الانخراط في التعاونيات التي تمثل الإطار الأمثل لضمان استمرارية عملهم بكرامة ودون خوف.

ويرى صديقي في حوار مع “العمق” أن انخراط المفرج عنهم في سلسلة إنتاج القنب الهندي المقنن، سيشجع الاستثمار في هذا القطاع، حيث سيزداد عدد المنخرطين ومعه الإنتاج، مما سيحفز المستثمرين على إنشاء وحدات تحويلية تضيف قيمة إضافية للمنتجات، معتبرا أن الإنتاج المقنن سيشكل رافعة للتنمية السوسيو-اقتصادية بالمنطقة.

وشدد المسؤول الإقليمي على أن هذا العفو الملكي يمثل خطوة إنسانية واجتماعية هامة، تمثل بشارة أمل لشريحة واسعة من المزارعين الذين كانوا يعيشون تحت وطأة الخوف من الملاحقة القانونية، وستساهم بشكل كبير في إدماج هؤلاء المواطنين في المجتمع، الذين كانوا سابقًا محرومين من الانخراط في أي مجال قانوني.

وأضاف صدقي: “إن الحاجز الأكبر أمام الاستثمار هو الخوف، والعفو الملكي سيساهم في إزالة هذا الحاجز، مما سيفتح المجال أمام هؤلاء المزارعين للعمل ضمن منظومة قانونية تضمن لهم دخلاً ثابتاً وكافياً لإعالة أسرهم بكرامة”، لافتا إلى أن هؤلاء المزارعين كانوا في السابق يمثلون الحلقة الأضعف في تجارة القنب الهندي غير المقنن، حيث كانوا يبيعون منتجاتهم بأسعار زهيدة جداً مقارنة بقيمتها الحقيقية.

من جهته، يرى  المحلل الاقتصادي ياسين اعليا، أن قرار العفو الملكي يستند إلى عاملين رئيسيين من شأنهما تعزيز التنمية الاقتصادية على المستويين المحلي والوطني، الأول يرتبط بالاستثمار في رأس المال البشري، إذ إن مزارعي القنب الهندي الذين يمتلكون خبرة طويلة في المجال الزراعي، سيعملون الآن في إطار قانوني جديد يقنن زراعة القنب الهندي ويشرع استخدامها لأغراض طبية.

هذا التحول القانوني، حسب المتحدث، من شأنه أن يضع حداً لاستغلال هؤلاء المزارعين الذين كانوا سابقاً الحلقة الأضعف في سلسلة تجارة المخدرات، خاصة وأن القانون الجديد سيضمن لهؤلاء المزارعين بيع محاصيلهم بأسعار عادلة، مما يعزز من قدرتهم على تحسين أوضاعهم الاقتصادية.

وبالنسبة للعامل الثاني، يرى اعليا في حديثه لـ”العمق”، أن هذا القرار سيؤدي إلى انتعاش المناطق التي تشتهر بزراعة القنب الهندي، حيث أن ارتفاع الإنتاج في ظل الإطار القانوني الجديد سيخلق حركة اقتصادية موازية ستساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي.

وأضاف أن هذه الديناميكية الاقتصادية لن تقتصر على المستوى المحلي فقط، بل ستمتد آثارها الإيجابية إلى الاقتصاد الوطني بشكل عام، لافتا إلى أن هذا العفو يحمل في طياته آمالاً جديدة لسكان تلك المناطق، إذ من المتوقع أن يساهم في تعويض ما فقدته هذه المناطق خلال السنوات الماضية، فضلاً عن توفير فرص استثمارية جديدة تدعم النمو الاقتصادي المستدام.

أرقام واعدة

أصدرت الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي ما مجموعه 3029 ترخيصاً لزراعة وإنتاج وتحويل “الكيف منذ بداية السنة الجارية 2024، وهو ما يعكس التزام المغرب بتطوير القطاع وتحقيق استفادة اقتصادية واسعة، ستنعكس إيجابيا على تحسين أوضاع المزارعين المعيشية، وتقليص الهجرة نحو المدن، وتعزيز التماسك الاجتماعي بالمناطق الجبلية والريفية.

وفقاً للبيانات الرسمية للوكالة الوصية، فإن الأمر يتعلق بـ2837 ترخيصًا لفائدة 2659 فلاحًا لنشاط زراعة وإنتاج القنب الهندي، مقابل 430 ترخيصًا في 2023، و192 ترخيصًا لفائدة 98 فاعلًا، مقابل 291 ترخيصًا لفائدة 138 فاعلًا سنة 2023.

وبالنسبة للتراخيص الممنوعة للفاعلين والبالغ عددها 192، فتتوزع بين 60 ترخيصًا لنشاط التحويل، و49 ترخيصًا لنشاط التسويق، و39 ترخيصًا لنشاط التصدير، و24 ترخيصًا لنشاط استيراد البذور، و18 ترخيصًا لنشاط النقل، وترخيص واحد لنشاط تصدير البذور وآخر لنشاط إنشاء واستغلال المشاتل.

ووفق المعطيات الرسمية للوكالة، فإن الفاعلين الـ98 المستفيدين من هذه التراخيص يتوزعون، من جهتهم، على 23 تعاونية و51 شركة و24 شخصًا ذاتيًا، فيما صادقت الوكالة، منذ بداية السنة الجارية، على 7.3 ملايين بذرة للقنب الهندي بناءً على 26 ترخيص استيراد منحها مكتب “أونسا”، وذلك على مساحة 1164 هكتارًا لفائدة 100 تعاونية إنتاجية تضم 1520 فلاحًا.

كما رخصت الوكالة، منذ بداية العام 2024، لاستعمال 1634 قنطارًا من بذور القنب المحلية (البلدية)، استنادًا إلى 106 تراخيص استعمال لهذه البذور “البلدية” والممنوحة من طرف “أونسا، لمساحة 1916 هكتارًا لفائدة 106 تعاونيات إنتاجية تضم 1816 فلاحًا.

المحلل الاقتصادي، بدر الزاهر الأزرق، اعتبر أن التراخيص الصادرة لتقنين مزاولة الأنشطة المرتبطة بإنتاج وزراعة القنب الهندي وتحويله إلى منتجات متعددة، ستسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني، وسترفع قيمة المواد المنتجة والمستخلصة من القنب الهندي.

وأشار إلى أن زيادة المساحات المزروعة تهدف بشكل أساسي إلى توسيع المساحات المقننة دون التأثير المباشر على حجم الإنتاج، معتبرا في تصريح لـ”العمق” أن هذه الصناعة الجديدة ستكون من الروافد الأساسية التي ستدعم تنوع الاقتصاد الوطني، وستخلق فرص عمل جديدة.

وأبرز المتحدث أن الفرص الاقتصادية ستشمل مختلف مراحل الإنتاج، بدءاً من الزراعة، مروراً بالتخزين والتحويل، وصولاً إلى الصناعات التي ستستفيد من هذه الموارد، مشددا على أن تقنين زراعة القنب الهندي وإزالة الطابع غير الشرعي عنها سيتيح فرصة ذهبية لتحقيق تنمية شاملة في المناطق المعنية، ما من شأنه تعزيز السلم الاجتماعي في تلك المناطق.

وخلص الأزرق إلى التأكيد على ضرورة تسريع كافة المشاريع المرتبطة بتقوية البنية التحتية في هذه المناطق، من خلال إنشاء مناطق صناعية وتجارية جديدة، بما يضمن تحقيق استفادة اقتصادية متكاملة تسهم في دعم الاقتصاد الوطني على المدى الطويل.

في نفس السياق، صدَّرت المملكة، ولأول مرة، القنب الهندي المنتج بشكل قانوني على أراضيها، حيث تم بيع مائة كيلوغرام من الراتنج الذي يحتوي على أقل من 1% من مادة “THC” المسؤولة عن التأثيرات النفسية، حيث تمت عملية التصدير إلى سويسرا في الربع الثاني من هذا العام.

وحسب ما كشفته جريدة “لوموند” الفرنسية، فإن كلفة الكيلوغرام الواحد لهذا المنتج المغربي تتراوح ما بين 1400 و1800 يورو، مشيرة إلى أنه على الرغم من املبالغ الرمزية التي تم جنيها إلا أن الصادرات المحققة أثارت اهتماما متزايدا، موضحة أن التقنين يجعل من المغرب لاعبًا جديدًا في سوق عالمي، إذ من المتوقع أن تتجاوز قيمته للقطاع الطبي وحده 50 مليار دولار بحلول 2028، وفقًا لصندوق الاستثمار الأمريكي.

وكان المغرب قد شرع رسمياً في تسويق منتجات القنب الهندي في صيدلياته ابتداءً من فاتح يونيو الماضي، لتعزيز الاستخدام الطبي والتجميلي للقنب الهندي، مستبعدا الجوانب التخديرية والإدمانية للنبات، في خطوة لاقت ترحيباً وإشادة واسعة من قبل مهنيي الصيدليات وإقبالا من طرف المواطنين.

وأوضح رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، محمد الحبابي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن المنتجات المرخص لها تشمل المكملات الغذائية ومستحضرات التجميل فقط، مؤكدا أنه لا علاقة لهذه المنتجات بالتخدير.

وأضاف الحبابي أن القنب الهندي يتكون من مادتين أساسيتين هما “CBD” (الكانابيديول) و”THC” (تتراهيدروكانابينول)، هذا الأخير هو المسؤول عن التأثير النفسي أو التخدير، فيما يتميز “CBD” بخصائصه الوظيفية لتكميل العلاجات، مضيفا: “ما قمنا به هو استخلاص الجانب الإيجابي من القنب الهندي وترك الجانب السلبي”.

وبخصوص النسب القانونية لـ”THC” في المكملات الغذائية، أشار المسؤول الصيدلاني أنه يجب أن تكون أقل من 0.3%، مما يضمن الاحتفاظ فقط بـ”CBD” الفعال لعلاج الأمراض، أما بالنسبة لمستحضرات التجميل، فقد تم تصميمها لتحتوي على 0% من “THC”، مع الحفاظ على فوائد “CBD” التكميلية للعلاج.