القانون التنظيمي للإضراب.. أدمينو: قرار الدستورية ترافع لفائدة النص التشريعي وانتصر للعقلنة

اعتبر عبد الحافظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أن امتناع المحكمة الدستورية في قرارها رقم 25/251 المتعلق بالقانون التنظيمي للإضراب، عن النظر في مقتضيات المادة 19، وفيما ما يتعلق بتوسيع الأشخاص الممنوعين من الإضراب، إضافة إلى عدم الإحالة على مقتضيات الإلتزامات الدولية ذات الصلة بالحق في الإضراب يبين نوعا من العقلنة مع نفس ترافعي نسبي غير معلن لفائدة النص التشريعي عوض أن يساهم في تقوية وتعزيز هذا الحق انطلاقا من هذه الأبعاد التي كانت مثار خلاف الحكومة والبرلمان.
ونبه أدمينو، إلى أن القاضي الدستوري بموافقته على تدخل السلطة التنظيمية في تنظيم هذا الحق، شريطة ألا يؤدي ذلك إلى إحداث أوضاع قانونية جديدة، ما يطرح تساؤلات حول مدى التزام الحكومة بإصدار النصوص التنظيمية المطلوبة، ومدى إمكانية الرقابة على هذه النصوص في حال عدم صدورها أو أو إصدارها وفق تفسيرات معينة خارج الشرط الذي وضعته المحكمة الدستورية.
ولفت المتحدث إلى السلطة التقديرية الممنوحة لرئيس الحكومة بتقدير الالتزام بالمصلحة العامة وعدم تجاوز هذه الحدود المعقولة المرتبطة بمواجهة كوارث طبيعية أو وضعية استثنائية والتي تتيح له إمكانية توقيف الإضراب لمدة محددة بقرار معلل، وفق المادة 19، تثير تساؤلات حول ما إذا كان ذلك يجعل السلطة التنفيذية طرفًا في تحديد شروط ممارسة الإضراب.
جاء ذلك في مداخلة لأستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، عبد الحافظ أدمينو، ضمن ندوة نظمتها شعبة القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال، إلى جانب شعبة القانون العام بكلية الحقوق السويسي، يوم الخميس، لمناقشة قرار المحكمة الدستورية رقم 25/251 بشأن القانون التنظيمي رقم 97.15 الخاص بحق الإضراب.
وفيما يخص المادة الأولى من القانون، أوضح أدمينو أن المشرّع تبنّى مقاربة وصفها بـ”التحايل”، حيث تم تضمين المبادئ العامة التي كان يُفترض إدراجها في ديباجة القانون التنظيمي داخل نص المادة الأولى، وذلك استجابة لاتفاق بين الحكومة والنقابات، غير أن المحكمة الدستورية استمرت في موقفها القاضي بأن المبادئ العامة لا تدخل ضمن مشمولات القوانين التنظيمية، وبالتالي لا تلزمها بمراجعة دستوريتها.
ونبه إلى أن المحكمة الدستورية تجنبت الخوض في تحديد مكانة الاتفاقيات الدولية ضمن المنظومة القانونية الوطنية، مما يعكس توجهها نحو النأي بنفسها عن إشكالات التراتبية القانونية، مضيفا أنه تبنت نهجًا تحليليًا موسعًا في هذا القرار، حيث ربطت بين عدد من الفصول الدستورية، من بينها الفصول 8، 21، 27، 31، 35، 37، 117 و145، مما يعكس حرص القاضي الدستوري على الوحدة العضوية بين أحكام الدستور المتعلقة بحق الإضراب.
وتناول أدمينو القيود التي أقرها القانون على ممارسة حق الإضراب، ومن بينها ضرورة احترام آجال وإجراءات تنظيمية صارمة منصوص عليها في المواد من 14 إلى 20، مشيرا ان القاضي الدستوري أقره هذه المقتضيات تحت مبدأ التوازن والعقلنة، متسائلا عما إذا كانت هذه القيود تتعارض مع الالتزامات الدولية للمغرب، خاصة الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحرية ممارسة الإضراب.
وأكد أدمينو أن المحكمة استمرارا في النهج الذي اعتمدته منذ بدء تفعيل الدستور حرصًا على إعمال العقلنة والتوازن على مستوى الممارسة والاختيارات في هذا القرار من خلال الحرص على مبدئ التوازن والعقلنة في العلاقة ما بين الحق في الإضراب وما بين الحقوق الأخرى أو الفاعلين المعنيين بهذا الحق، وبين الحق في الإضراب والسلم الاجتماعي، وضمان الحق في الإضراب للعمال في حالة عدم وجود النقبات، وهو ما يعني أن ” التنسيقيات ستصبح من الماضي”.
كما أشار إلى أن القانون حدد فئات واسعة من الموظفين الذين يمنع عليهم ممارسة الإضراب، ومن ضمنهم موظفو الدفاع الوطني، ووزارتا الداخلية والخارجية، وحاملو السلاح، مما يجعل الإضراب يقتصر على فئات وظيفية معينة، وهو ما قد يطرح إشكالات حول ما إن كان هذا الحق يهم فئات وظيفة معينة على سبيل الحصر عوضا أن يكون على سبيل الاستثناء.
وأوضح أدمينو أن المحكمة الدستورية أقرت ضمنيًا في قرارها بمبدأ “لا عمل دون أجر” من خلال تعريف الإضراب بأنه “توقف مؤقت عن العمل لا يؤدى عنه أجر”، مما يعكس توجهًا نحو ربط العمل بالمقابل المادي، وهو ما كان محل جدل في السابق عند مناقشة الإضرابات في قطاعات مختلفة.
ونوه بأن ما يحسب لهذا القانون هو خلوه من العقوبات السالبة للحرية ضد المضربين، مما يكرس الطابع الحقوقي لممارسة هذا الحق، ويؤكد في الوقت نفسه على مبدأ ضمان الحرية الاقتصادية. وأكد أن القانون اكتفى بإجراءات تأديبية وتنظيمية دون أن ينزلق نحو التجريم الجنائي لممارسة الإضراب، “وإلا لأصبحنا أمام شيء آخر غير القانون التنظيمي المتعلق بشرط وممارسة هذا الحق”.
وأكد الخبير القانوني أن منهجية المحكمة الدستورية في فحص القانون التنظيمي لم تختلف كثيرًا عن نهجها المعتمد في قرارات سابقة، حيث اعتمدت على التحليل الدقيق لبنية المواد القانونية، مع اتخاذ موقف واضح بشأن دستوريتها، مذكرا ب أن المحكمة أقرت بعدم مخالفة ست مواد للدستور مع إبداء ملاحظات تفسيرية، فيما صرحت بدستورية ثلاث عشرة مادة دون أي قيود، وأحجمت عن مناقشة أربع مواد أخرى، مؤكدةً مطابقتها للدستور.
اترك تعليقاً