سياسة

غياب الوساطة وعودة الشارع.. هل يعيد جيل “Z” رسم الخريطة السياسية بالمغرب؟

شهدت شوارع عدة مدن مغربية خلال اليومين الأخيرين عودة لافتة للاحتجاجات الشبابية، لكن هذه المرة بقيادة جيل جديد يعرف بـ”جيل Z”، وهو جيل ولد وترعرع في العالم الرقمي، بعيدا عن المرجعيات الحزبية والأيديولوجية التقليدية. هذا الحراك، الذي رفع شعارات اجتماعية من قبيل الحق في التعليم والصحة والشغل ومحاربة الفساد، فتح الباب أمام نقاش عميق حول موقع الشباب في المشهد السياسي، وقدرة الأحزاب بتنظيماتها الشبابية والدولة على احتوائه.

في هذا الإطار، أشار خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إلى أن هذا الحراك طبيعي وينتج عن فراغ سياسي عميق نتج عن ما وصفه بـ”تصحير السياسة” الذي صنعته الدولة المغربية منذ عام 2012، مؤكدا أن هذا التصحير السياسي أدى إلى كسر وإضعاف الأحزاب الوطنية إلى حد فقدانها القدرة على النضال السياسي، كما ابتلع العمل المدني، ليظهر فراغ سياسي ملؤه جيل منفلت يملأ الساحة بمبادراته الخاصة بين مسافة عن الحزب ومسافة عن الدولة.

ويرى يايموت ضمن تصريحه لجريدة “العمق”، أن مشاركة هذا الجيل عبر الاحتجاجات تمثل شكلا من أشكال المشاركة السياسية السلبية المباشرة، ما يوضح عمق الإشكال في العلاقة بين الشباب والمؤسسات السياسية. في المقابل، يرى رضوان اعميمي، أستاذ القانون الإداري، أن غياب الأحزاب في هذا الحراك يمكن تفسيره بـ”الانتظارية” التي تطبع عملها في مثل هذه اللحظات الدقيقة، حيث تنتظر بعض الأحزاب تطور الوضع لتجنب اتخاذ موقف قد يضر بعلاقتها بالدولة.

وأضاف اعميمي أن ظهور حراك مستقل يرفض الركوب السياسي هو إدانة صريحة للأحزاب السياسية التي منحها الدستور الدور التأطيري للمواطنين، وخاصة الشباب، وهو ما يعكس أزمة حقيقية في علاقة الشباب بالأحزاب السياسية، تظهر بوضوح من خلال ضعف الانخراط في العملية السياسية والانتخابية.

كما يشير ضمن تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن هذه الأزمة ترجع جزئياً إلى عدم قدرة الأحزاب على تجديد خطابها السياسي وبرامجها بما يستوعب التحولات الكبيرة في المجتمع، فضلاً عن تخليها عن أدوارها في التنشئة السياسية والثقافية، ما أفرز أعطاباً جعلت معظم التنظيمات الشبابية تعمل بنفس منطق قياداتها، وبالتالي اتسعت الهوة بينها وبين الشباب.

في سياق متصل، اعتبر يايموت أن العجز لا يعود فقط إلى قصور داخلي للأحزاب، بل يتضاعف بسبب محاربة الدولة الطويلة للأحزاب الوطنية والتضييق المستمر عليها. كما يشير إلى أن الأحزاب الوطنية تواجه إشكاليات رئيسية تتعلق بمحدودية الموارد، وضعف الأطر، ومحدودية النخب، مع التفريق بين الأحزاب الشعبية والأحزاب التي تسيطر عليها الدولة أو المال، والتي يصفها بأنها “مجرد تجمعات” لا ترقى لتعريف الحزب السياسي.

ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن الحراك الاجتماعي الذي قاده جيل Z يكشف أن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة قد تواجه عزوفا جماعيا مماثلا لما حصل في عام 2007، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة الفعلية 15%–17%، حتى مع الأرقام الرسمية التي تجاوزت 35% بفضل إضافات غير واقعية.

من جانبه، أشار اعميمي إلى أن الاعتماد على الشارع كوسيلة ضغط يمثل حلا مؤقتا فقط، لأن التسليم الكامل للشباب بالمبادرة قد يهدد العمل المؤسساتي ويعرّضه لمخاطر مباشرة وغير مباشرة، مؤكدا على أهمية إصلاح منظومة الوساطة الحزبية والمؤسساتية لتعزيز ديناميتها واستيعاب الأصوات المختلفة، خصوصا أصوات الشباب، لافتا إلى أن التمثيل السائد لدى الشباب هو أن الشبيبات الحزبية لا تختلف عن الحزب نفسه، ما يؤدي إلى فقدان الثقة والتفاعل الإيجابي مع المؤسسات التقليدية، رغم بعض الاستثناءات.

ويشدّد المتحدث، على أن تأثير هذا الحراك سيكون بارزا في الاستحقاقات المقبلة، وقد ينعكس على صياغة التعديلات في القوانين الانتخابية كأولى الجبهات لاستيعاب التوترات وإدماج الشباب في العملية السياسية.

أما بالنسبة لمشاركة بعض قيادات الأحزاب في هذا الحراك، فيرفض يايموت وصفها بأنها “استغلال”، ويؤكد أنها تمثل مشاركة في حدث اجتماعي له أبعاد سياسية، يحق لكل الهيئات السياسية والمجتمع المدني والمبادرات النقابية المشاركة فيه. بينما يرى اعميمي أن الشباب الذي يرفع شعار الاستقلالية السياسية سيقاوم أي محاولة للركوب السياسي على حركتهم، رغم أن العملية السياسية قد تسمح لبعض الأحزاب بالاستفادة من هذه التحركات الاحتجاجية.

وخلص المحللين، إلى أن الحراك الشبابي الأخير لجيل Z بالمغرب يعكس فراغا سياسيا هيكليا، نتيجة ضعف الأحزاب السياسية وعجزها عن التجديد والتفاعل مع التحولات الاجتماعية والشبابية، إضافة إلى محاولات الدولة الطويلة للحد من تأثيرها السياسي. كما أكدا أن العلاقة بين الشباب والأحزاب بحاجة ماسة إلى إعادة بناء وتطوير آليات الوساطة السياسية لتفادي العزوف الانتخابي وتعزيز التفاعل المؤسسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *