وجهة نظر

حتى لا يضيع الأمل

ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه الطريقة التي تم بها توظيف حزب الاتحاد الاشتراكي في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بتلك التي يتم بها توظيف حزب العدالة والتنمية حاليا.

فبالرجوع إلى تجربة التناوب الأولى التي قادها الاتحاد الاشتراكي ، في شخص الزعيم عبد الرحمان اليوسفي، نجد أن المغرب وصل الى مرحلة السكتة القلبية ، جراء فساد الطغمة الحاكمة من احزاب الادارة ، مما اضطره الى الاستنجاد بالكتلة التاريخيةالتي يقودها الاتحاد الاشتراكي ذي السند الشعبي أنداك ، لإنجاز تناوب توافقي ، ينقذ المغرب من أزمته.

وهكذا ، وبعد مرور التجربة بإنجازاتها واخفاقاتها، استعاد المغرب عافيته الاقتصادية ، وتجاوز مرحلة الخطر، وعاد بصيص من الأمل الى نفوس المغاربة، لكن المخزن العميق لا يريد حكومة مستقلة في قراراتها وبعيدة عن وصايته ، فما كان منه الا ان أزاح الزعيم التاريخي ، وقائد التناوب التوافقي الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي من الوزارة الأولى رغم فوز الاتحاد بالمرتبة الأولى في انتخابات 2002 وبالتالي اغلاق قوس اسمه التناوب التوافقي ، والعودة الى ما قبل 1996 ، ولو أدى ذلك الى العزوف واليأس في الحياة السياسية من جديد، كل ذلك لا يهم المخزن ، ما يهمه هو التحكم في البلاد و العباد.
ولم يكن لينجح في مهمته لولا تعاون بعض من أبناء الاتحاد الذين تم تدجينهم و تعليفهم ليأتمروا بعد ذلك بأوامره، ولو أدى ذلك الى تدمير حزبهم كما هو حاله اليوم.

هذه الحماقة التي ارتكبتها السلطوية أدت الى تأخر المغرب سنوات الى الوراء، وتفاقم الأزمة السياسية وعودة الاستبداد و الظلم وتفشي الزبونية و المحسوبية، مما سبب من جديد في اختناق اجتماعي رهيب توشك الأوضاع بعده أن تنفجر في أي لحظة ، تزامن ذلك مع موجة الربيع العربي الذي أجتاح بلدانا عربية وأسقط رؤوسا استعصت على شعوبها.

كل هذه الظروف اضطرت المخزن الى الانحناء و القبول بتعديلات دستورية في صيف 2011 وانتخابات سابقة لأوانها حملت قوة أخرى غير مرغوب فيها لذى صناع القرار، لترأس حكومة ما بعد الربيع العربي التي تشكلت في وقت قياسي وبدون عراقيل تذكر.
وكما هي عادة السلطوية التي لا تنحني الا للضغوط، فقد رجعت الى أساليبها القديمة بعد استقرار الأوضاع واستحالة الربيع العربي الى خريف في جل بلدان الربيع فبدأت بمناورات ما قبل الانتخابات وأثناءها كما تابعه المغاربة جميعا وتصدوا له بتصويتهم المكثف على حزب العدالة والتنمية، وما تلا اعلان النتائج بتعيين الأستاذ عبد الاله بنكيران رئيسا للحكومة ، من خلال بلوكاج مصطنع ومفضوح استعملت فيه أشباه أحزاب وبقايا أخرى وزعامات مظلية ظهرت بعد اعلان النتائج، انتهت بإسقاط بنكيران من على رأس الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني، لتبدأ بعد ذلك سلسلة من التنازلات انتهت بالاستجابة لجميع الاشتراطات السابقة ، واخراج حكومة هجينة لا طعم ولا لون لها، وتم تلغيمها بجيش من خدام الدولة الذين تم اصباغ بعضهم بالوان أحزاب صفراء وزرقاء، واستحوذ حزب اخنوش على جل القطاعات الحيوية، فيما ترك الفتات للحزب الأول قائد الحكومة.

وهكذا نجد أن حزب العدالة والتنمية يمشي سريعا في الطريق التي سلكها قبله الاتحاد الاشتراكي الذي قاوم كثيرا قبل أن يرتمي في احضان حكومة تيكنوقراط أجهزت على حلم اسمه الارادة الشعبية واحترام نتائج الاقتراع مما فسح المجال لحزب البؤس و حلفاؤه من صانعي البلوكاجللاستئساد على رئيس الحكومة وحزب العدالة والتنمية الذي يجد نفسه الى حدود اللحظة عاجزا عن صد مجموعة من الضربات التي تلقاها داخل قبة البرلمان، أو في البرنامجين الحواريين في القناة الأولى و الثانية، مقابل خطاب ضعيف لرئيس الحكومة لا يستطيع حتى الرد على من اتهمه ببيع الوهم، مكتفيا بتوزيع رسائل شكر الى الذين أسقطوا أمينه العام من رئاسة الحكومة واصفا كل مناوراتهم بالجهود المسؤولة التي ترمي الاسراع في اخراج الحكومة ، وأي حكومة هاته التي لم تحضي الا بتزكية 208 نائبا من أصل 245 من نواب الاغلبية، في حين نالت الحكومة التي سبقتها الثقة بتصويت 218 من أصل 217 المشكلة للأغلبية.

هذه البداية الغير الموفقة تنذر بما سيأتي بعدها من هجوم من داخل الحكومة ومن خارجها، ان لم يتدارك رئيس الحكومة الامر ويبتعد عن خطاب المهادنة مع من لا يستحقه، ويترك جانبا لغة الخشب ويسمي الأشياء بمسمياتها في خطاب واضح كما اعتاده المغاربة في زمن الزعيم عبد الاله بنكيران الذي رفع السقف عاليا في الوضوح مع الشعب، وما عدا ذلك من الخطاب قتل للسياسة وضياع لأمل انتعش في نفوس المغاربة طيلة خمس سنوات من حكومة عبد الاله بنكيران التي سيذكرها المغاربة بكل فخر و اعتزاز.