وجهة نظر

الأزمة الأوكرانية الروسية والأمن الطاقي والغذائي في المغرب

إن دراسة التأريخ الاقتصادي للأمم لطالما ربط حالة السلم والحرب بالرخاء أو الأزمة الاقتصادية. فعندما تكون المعاملات الاقتصادية بين الأمم تتطور إيجابا وتتسع، فإن احتمال الحرب يصبح ضعيفا جدا. لكن عندما تلاحظ حالة من الركود الاقتصادي بين الأمم، فإن الأزمات الداخلية تكون حافزا لاندلاع الحروب.

 واليوم، والعالم لم ينجبر بعد من أزمة كورونا التي خلفت ركودا اقتصاديا كبيرا، اندلعت الحرب في أوروبا الشرقية بين روسيا و أوكرانيا، وكرد فعل سريع، أقرت الدول الغربية حزمة من العقوبات ضد روسيا زادت من الانكماش الاقتصادي الدولي وأدت إلى تدني العلاقات التجارية التي تعد الضامن الوحيد للسلم العالمي. (نظرية السوق الحرة = الديمقراطية)

في هذا الإطار، فإن الاقتصاد الروسي والأوكراني قبل بداية الحرب كان يشكل العمود الفقري لإنتاج الحبوب والطاقة على الصعيد الدولي. فالاقتصاد الروسي يحتل المرتبة الثانية (أو الثالثة حسب الإنتاج والتصدير) عالميا في إنتاج الحبوب وتصديره والثالثة في البترول والغاز الطبيعي. كما أن الاقتصاد الأوكراني يحتل المرتبة الخامسة من حيث تصدير القمح في العالم.

وعليه، وبالرغم من بعض الاحصاءات التي تؤكد أن الاقتصاد المغربي لا يعتمد على الواردات الروسية الأوكرانية الا بنسبة قليلة جدا، فإن أثمنة المواد الأولية والاستهلاكية نتيجة توقف إمدادات القمح الأوكرانية تشهد ارتفاعا ملحوظا ومتزايدا على الصعيد العالمي الشيء الذي يؤثر سلبا عل كل دول العالم وخصوصا النامية منها.

ولحدود الساعة، فإن الاقتصاد المغربي تأثر سلبا بالأزمات المتراكمة، بداية بالأزمة المالية لسنة 2008 ثم مرورا بجائحة كورونا، وأخيرا الأزمة الروسية الأوكرانية التي عمقت من معاناة الاقتصاد المغربي خصوصا على صعيد القطاع الفلاحي والسياسة الطاقية. 

   على صعيد القطاع الفلاحي 1-

اعتمد المغرب في العقود الثلاثة الأخيرة على تصدير المواد الفلاحية بأسعار تنافسية على الصعيد الدولي (الفواكه…) واستيراد القمح بثمن جد منخفض مقارنة مع كلفة إنتاجه داخليا. هذه السياسة، مكنت المغرب من الحصول على رصيد مهم من العملة الصعبة وبالتالي أدت إلى التخفيض من العجز في ميزان المدفوعات.

لكن، نفس السياسة أصبحت اليوم تشكل خطرا مباشرا على  الأمن الغذائي الداخلي بسبب توقف واضطراب سلاسل الانتاج نتيجة الأزمة الأوكرانية الروسية.

فالمغرب دولة يعتبر فيها الحبوب أساس الوجبات اليومية للمواطن المغربي، حيث يصل معدل استهلاك الفرد الواحد في المغرب إلى ما يعادل 200 كلغ سنويا، أي ما يمثل ثلاث أضعاف متوسط الاستهلاك العالمي.

في حين، لا ينتج المغرب في السنوات الممطرة سوى 66 في المئة من الاستهلاك الوطني وتنخفض هذه النسبة إلى أقل من 30 في المئة في سنوات الجفاف، وعليه فإن أكثر من نصف استهلاك المغربي من القمح يتم استيراده من الخارج. 

في هذا الصدد، ففي سنة 2019/2020، وحسب الأرقام الصادرة عن مديرية الاستراتيجية والإحصاء بوزارة الفلاحة، فإن المنتوج النهائي للحبوب بلغ 32 مليون قنطار، أي بنسبة انخفاض تقدر ب 57 في المئة مقارنة بمتوسط السنة المعتمدة إبان المخطط الأخضر (75 مليون قنطار).

ومن هنا، أصبح لزاما على الحكومة المغربية الإعداد لحزمة من الحلول البديلة يمكن سرد بعضها كالآتي:   

  • البحث عن ممولين اخرين غير تقليديين من أجل سد الخصاص على المدى القصير.
  • ترشيد استعمال احتياطي المغرب من العملة الصعبة وتخصيصه بشكل أساسي للأمن الغذائي للمغرب (تجنب السياحة الخارجية…).
  • الاعتماد على سياسة الاكتفاء الذاتي وذلك بتشجيع الإنتاج المحلي للقمح، في هذا الصدد يجب إعادة تنظيم السياسة الفلاحية في المغرب وجعل معظم أهدافها سد الخصاص الداخلي عوض الاهتمام بسياسة التصدير خارج الوطن.
  • تشجيع البحث العلمي في المجال الفلاحي من أجل تطوير إنتاج الأراضي المغربية وتنويعه وذلك باعتماد الطرق التكنولوجية العصرية الجديدة في السياسة الفلاحية (تحلية ماء البحر…) عوض الاستناد على التساقطات المطرية الموسمية والأنشطة الفلاحية التقليدية.

 2-على صعيد السياسة الطاقية

على إثر الارتفاع غير المسبوق في ثمن المحروقات (الغازوال…) وأثره المباشر على سلاسل الإنتاج في المغرب، فإنه أصبح واجبا على الحكومة المغربية اتخاد إجراءات غير تقليدية في هذا المجال يمكن اجمالها في: 

  • فتح تحقيق موسع في الأرباح الطائلة لشركات المحروقات خصوصا أنه في بعض الأوقات وصل ثمن البرميل الى صفر درهم وكان البنزين يباع للمواطن المغربي ب 9 دراهم.
  • الضرب وبقوة على أي احتمال لتضارب المصالح بين اصحاب هذه الشركات والقرارات السياسية التي تتخذ على صعيد الحكومة.
  • تسقيف أرباح هذه الشركات سواء في حالة الازدهار الاقتصادي أو في حالة الأزمات وفتح قنوات تواصلية مع المواطن المغربي حول القوانين المنظمة لسوق المحروقات على الصعيد الوطني والدولي.
  • إلغاء مرحلي للضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على استهلاك فيما يخص المنتوجات الطاقية. 
  • تعويض صندوق المقاصة بالدعم المباشر للأسر الضعيفة والمتوسطة في المغرب (يمكن الاعتماد على قاعدة البيانات التى تم إعدادها في أزمة كورونا).
  • وضع مخطط وطني من أجل إعادة هيكلة مصفاة لاسمير، الشيء الذي سيمكن المغرب من التحكم ولو جزئيا في أسعار المحروقات.

 وفي الأخير، فالتحولات الاستراتيجية على الصعيد الدولي تضع الاقتصاد المغربي في مواجهة تقلبات بنيوية جديدة تعتمد أساسا على إعادة الاعتبار لسياسة الاكتفاء الذاتي خصوصا في المجال الطاقي والغذائي على المدى المتوسط والبعيد. أما على المدى القريب، أصبح لزاما على الحكومة المغربية الاعتماد على سياسة التقشف في استعمال العملة الصعبة وتوجيهها فقط الى الحاجات الغذائية والطاقية في انتظار إعادة التأهيل الداخلي للاقتصاد المغربي.

أستاذ جامعي بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالجديدة

مفتش إقليمي سابق بإدارة الضرائب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *