الهاشتاغ والاحتجاجات الرخوة

حملة الهاشتاغ حول ارتفاع الأسعار و”الدعوة الى رحيل حكومة اخنوش” تجاوزت 2 مليون مشارك و متفاعل، وهو ما يعني أن هاشتاغ الاحتجاج والدعوة إلى رحيل رئيس الحكومة أصبح حدثا عموميا لا يمكن إخفائه و لا يمكن تجاهله سواء من طرف الفاعليين السياسيين أو محللي السياسات العمومية.
هاشتاغ “الدعوة للرحيل ” يشكل فرصة مهمة لقراءة هذا الحدث باعتباره سلوكا اجتماعيا، و تعبيرا سياسيا عن واقع معين بالاعتماد على جمل قصيرة ذات رسائل بمدلولات احتجاجية او ترافعية .
المقال ليس دراسة علمية للموضوع بقدر ماهو نوع من التأمل السوسيولوجي على غرار تاملات السوسيولوجي ريجموند باومان في سلسلة السوائل ( الحداثة السائلة – العنف السائل – الحب السائل …) لواقعة “هاشتاغ الاحتجاج ” حيث الاحتجاج على ارتفاع اسعار المحروقات و الدعوة الى رحيل رئيس الحكومة .
الهاشتاغ أصبح حدثا عموميا لا يمكن اخفائه و لا حتى تجاهله ، اما التنقيص منه او حتى التشكيك فيه فهو امر مثير للاستغراب ، لا يعكس حالة من سوء التفاهم مع الرافضين، لكنه مؤشر على سوء الفهم .
تتبع مسار تطور الهاشتاج بدءا من 2007 من لحظة انطلاقه مع المصمم في شركة غوغل كريس ميسنا، و الذي كان يهدف الى تنظيم حوارات و نقاشات زوار الشبكات الاجتماعية، بهدف امكانية تسهيل انتشار المعلومة و سرعة وكثافة تقاسمها .وهو وسيلة أيضا لتنسيق النقاش و توحيده في زمن محدد و قصير.
قوة الهاشتاج تتجسد في قوته العددية ، قوة تعتمد على إسناد عددي و رقمي. قوة الهاشتاغ تناسب مع عدد المتفاعلين ارتفاعا و انخفاضا ، فالشرعية مسنودة بقوة عددية و اثبات رقمي .حيت يصبح العدد هو عنوان الحقيقة واساس الشرعية النضالية , و معيار الصوابية ، أي ان قوة الهاشتاج تتزايد مع تزايد العدد و تتقلص بتقلص العدد ، و بناء عليه ينطلق – الهشتاغ – وحيدا سرعان ما يكسب قوته من خلال سرعة و كثافة الانتشار .
وفق هذا الاساس فان “هاشتاج الرحيل” هو اداة للتعبير الاحتجاجي على غلاء سعر المحروقات و المطالبة برحيل الحكومة ، و ليس اداة لتغييرها . مما يعني انه ليس اداة للتغيير الفعلي، و احداث الأثر الفعلي و التغيير المنشود في الواقع، بقدر ما هو فعل احتجاجي من خارج الواقع وليس من داخله .
الهاشتاغ كوسيلة للتعبير يشكل مؤشرا مهما للحكومة ، و لصناع القرار السياسي والاقتصادي بالبلاد من أجل قياس توجهات الرأي العام من الأداء الحكومي في أفق التدخل من أجل التقييم و التجويد . مع الاخذ بفكرة ان الافكار المثالية و المجردة قد تتحول الى قوة تتميز بالصلابة , و ان الافكار تصبح قوة حين تتجمع و تنزل الى الواقع.
فالأفكار تصبح مؤثرة حين ترتبط بالواقع . و لعل تجربة الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك مع دعوات الاطاحة به بشبكات التواصل ،و تحذير المخابرات له , اجب ساخرا : انه لعب عيال ؟
الهاشتاغ كفعل تعبير جماعي حول قضية محددة مؤسس على خطاب دينامي يبحث عن الإسناد العددي ، يملك قوته الإقناعية و الاسنادية في العدد ومن خلال الارقام، بان يكون مدعوما بمساندة الجماهير والمشاركين ، هو ما يفسر حرص المتفاعلين على تصدر الترند العالمي كقوة عددية .
الرهان على عالمية الهاشتاغ يقود الى تبني فرضية عولمة الاحتجاج، عبر آليات الاستيعاب و الامتصاص و اخراج الاحتجاج من طابعه الواقعي الى بعده الافتراضي . حيت تبرز فعالية آليات العولمة في فعل امتصاص الاحتجاج عبر آليات الهاشتاج يشكل انزياحا أساسيا عن الهدف الأساسي منه : اي إرغام الحكومة على تخفيض الأسعار و تعويض هذا الهدف بالبحث عن العدد و تصدر الترند العالمي .
ملاحظة أخرى تفرض نفسها لتحليل هذا السلوك الاحتجاجي الجديد، والذي يمارس في لحظات سكينة و ربما في مقهى، قد يكون بعض المحتجيين في لحظة استرخاء، والبعض قد يتابع أحداث مباراة في كرة القدم ، انه احتجاج فرجوي لا يحتاج الى مجهود او عناء و تنقل ،و انما نقرة او نقرتين على شاشة الهاتف والحاسوب.
الاحتجاج في زمن الفرجة و ثقافة الفرجة وفق ما عبر عنها السوسيولوجي الفرنسي جيليه ليبوفيتسكي، وصاحب كتاب «إمبراطورية الموضة»، يعكس الرغبة بالتغيير عن طريق الفرجة و من خلالها.
وفق تصورات ليبوفيتسكي فماهية الفرجة مرتبط بعوالم الاستهلاك و بناء مواطن استهلاكي تتحدد طبيعته بكونه كائن ذو بعد وحيد و فق تصور هربرت ماركيز في انتقاده للراسمالية التي حولت الانسان الى كائن تائر الى كائن سلبي و مستهلك ، يجد لذته في الاستهلاك و اللا- حركة ، هو ما يقود الى انحسار النموذج الاحتجاجي الصلب و الواقعي، والذي يتطلب الإقامة في الواقع وهو ما يستدعي نفسا نضاليا صلبا، وعيا سياسيا يقظا وانخراطا في الواقع وليس هروبا منه.
ثقافة الفرجة تعني كافة أنماط السلوك التي تتفرج على الواقع، وتستمتع به وحتى إن حاولت تغييره فالأمر يكون عبر أدوات افتراضية وليست واقعية، تغيير عن بعد دون لمس أو اشتباك مع الواقع، وبهذا يصبح الهاشتاج شكل تعبيري أقرب الى التسلية و الفرجة منه الى النضال و تغيير الواقع ،وفق أدوات الفعل المعتادة من خلال الانخراط في مؤسسات الدولة والمجتمع، وفق مسلسل قاعدي وبنيوي وعبر المشاركة في اتخاذ القرار وليس انتقاد القرار.
الهاشتاج لا يمكن ان يغير الحكومة لكنه اداة تعبير عن موقف منها، لأن التغيير يكون من خلال العمل من داخل الواقع، وليس من خارجه.
التغيير سيكون ممكنا حين تتم العودة للواقع والاقامة فيه والعيش فيه ،و المشاركة الايجابية و الفعالة في الواقع و داخل المجتمع و مؤسساته، اما العزوف عن الفعل السياسي و الهروب من الواقع فنتيجته واحدة الاحتجاج الافتراضي.
اترك تعليقاً