وجهة نظر

ثمن الاستقلال..

هنا الحديث عن الاستقلال الحقيقي وليس “الممنوح”، لأن أغلب الدول التي قاومت شعوبها المستعمر الغاشم، في الحقيقة لم تأخذ استقلال كامل بمعنى الكلمة، بل كان استقلالا ناقصا ومغشوشا مع الأسف رغم كل التضحيات المقدمة من طرف المقاومة، وذلك بسبب تواطؤ المستعمر مع الطبقة الحاكمة على حساب دماء الشهداء، لهذا قد تجد الكثير من تصرفات الدول المستعمرة سابقا غير مفهومة، لأن المنطقي هو قطع الصلة بمن كان سببا في سفك دماء هذه الشعوب، وهذا على الأقل ما يمكن تقديمه كعربون وفاء للمقاومة الوطنية، حيث آلاف من الشهداء والأرامل والمهجرين والمفقودين.

لكن مع الأسف الشديد العكس تماما هو الذي يحدث في الغالب، حيث تجد ثقافة و لغة المحتل هي السائدة والمسيطرة في التعليم والإدارة، وفي الاقتصاد كذلك تجد المستعمر هو المستفيد الأول من خيرات البلاد فلاحة ومعادن ويد عاملة رخيصة، كما تجده هو الزبون الأول في التصدير و الاستيراد معا.

فالأمر هنا، لا يحتاج لكثير ذكاء ولا لخبراء تحليل تاريخ و جغرافيا، يكفي فقط معرفة المستفيد من ثروات الوطن برا وبحرا بعد خروج المستعمر، لتعرف حجم التضليل الإعلامي الكبير الذي غيب الحقيقة، فقد تجد زمرة من العائلات الثرية المحظوظة هي من تتقاسم خيرات البلاد مع المستعمر.

لهذا عزيزي المواطن البسيط لا تشغل نفسك بحفل عيد “استقلال” ليس له داعي ولا معنى، بل هناك من يحتفل حتى بيوم تقديم وثيقة تطالب بهذا “الاستقلال”، أمر عجيب أليس كذلك..!!

لقد حق للمستعمر وحده الاحتفال بيوم استقلال البلد المستعمر بفتح الميم، لماذا؟ لأنه ببساطة هو اليوم الذي حقق فيه أهم إنجاز على طاولة المفاوضات، حيث يمكنه الجلوس الآن مرتاح البال في لندن وباريس أو واشنطن أو بروكسيل، مع الاستفادة من كل خيرات المستعمرات السابقة برا و بحرا فلاحة ومعادن، تأتيه سهلة وعلى طبق من ذهب دون تعب ولا خوف من (إرهاب) المقاومة المسلحة وكمائنها.

المهم، كل هذا الإنجاز قد حققه بفضل المفاوضات فقط، مع توقيع اتفاقيات سرية تطيل عمر الاستعمار في نهب خيرات الوطن لسنين طويلة، لهذا عزيزي القارىء يمكنك الآن فهم كلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا السياق، فعندما يقول هذا البطل إن تركيا قبل 2023 ليست هي تركيا بعد 2023، فهو يدري ما يقول وكما يمكنك كذلك فهم سبب الحملة الشرسة المسعورة على الرئيس أردوغان، وذلك من طرف الغرب المسيحي وخاصة عجوزة الاستعمار مملكة بريطانيا، وكذلك من طرف أتباع هذا الاستعمار في الداخل التركي أمثال “كليجدار اوغلو”.

أنا شخصيا، أعتبر الانتخابات اليوم في تركيا هي استمرار للكفاح المدني لنيل الاستقلال الحقيقي عن الغرب، لقد استغل الاستعمار البريطاني الخبيث في عشرينيات القرن الماضي، ضعف وتفكك دولة الخلافة العثمانية ليفرض عليها اتفاقيات مذلة و ظالمة، وذلك منذ 1923 سنة التوقيع وتنتهي في 2023 أي بعد مرور 100 سنة كاملة، ومن بين بنودها الظالمة منع تركيا من استغلال ثرواتها الباطنية، ومنعها كذلك من استخلاص رسوم حق عبور السفن عبر قنواتها البحرية.

لكن اليوم يحق لتركيا استغلال كل ثرواتها فوق الأرض وتحتها برا وبحرا و استخلاص رسوم حق عبور السفن عبر قنواتها، باختصار إنها ولادة جديد لتركيا الحديثة، حيث يمكنها اليوم ممارسة سيادة كاملة على كل الوطن فوق الأرض وتحتها، ولحسن حظ الشعب التركي هناك زعيم حقيقي يجسد هذا الاستقلال على أرض الواقع ، لهذا جن جنون المستعمر الغربي وأصبح يواجه الرئيس أردوغان بوجه مكشوف، في نظري الغرب يحتاج من جديد إلى توقيع اتفاقية أخرى مع “زعيم ” من ورق، بشرط أن يكون هذا الأخير مستعدا للمساومة على استقلال الوطن وسيادته؛ باختصار شديد ان يكون خائنا لوطنه ودينه وأمته، وذلك بعد انتهاء اتفاقية الذل الأولى و الموقعة سنة 1923 وتحرر الشعب التركي من بنودها الظالمة.

لهذا زعيم المعارضة الحالي “كليجدار أوغلو” يشكل بديلا مناسبا و مقبولا للغرب، ففي حال فوزه لا قدر الله يمكنه توقيع اتفاق مع المستعمر وهو مغمض العينين، وقد يوقع على اتفاق أسوء من اتفاقية 1923 ، حيث يمكن لبريطانيا وفرنسا وأمريكا صياغة اتفاقية جديدة تدمر نهضة تركيا وتبقيها تحت السيطرة.

ويمكن “لكلجدار أوغلو ” التوقيع على اتفاقية سرية تبدأ من سنة 2023 وتنتهي في سنة 3023 ، لكن العقبة الوحيد أمام هذا الاستعمار الغربي الجديد لتركيا هو تواجد زعيم حقيقي، إنه يا سادة رجب طيب أردوغان رجل يقف شامخا في وجه المستعمر السابق و مخططاته، إن اشتداد الحملة الغربية المسعورة على الرئيس أردوغان و تحالف الجمهور المساند له، يثبت صحة الطريق وأن قيادة الرئيس لنهضة تركيا الحديثة اليوم يؤلم أعداء الأمة..!!

خلاصة: إن الاستقلال الحقيقي لا يمنح بل ينتزع انتزاعا، وكل استقلال جاء بعد مفاوضات واتفاق استفاد منه المستعمر و المقربين منه، فهو استقلال مغشوش ويجب على الوطنيين مقاومته ثم النضال من أجل تصحيح مساره وكشف دسائسه و أسراره للمواطن، في الأخير نرجو من الله أن يحفظ تركيا قيادة وشعبا وأن يحفظ باقي المسلمين من مكائد المستعمر ما ظهر منها وما بطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *