منتدى العمق

المغرب وأمريكا في ولاية ترامب الثانية: تحالف استراتيجي أم اختبار جديد للعلاقات؟

عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض تُلقي بظلالها على العلاقات المغربية الأمريكية، التي تميزت خلال ولايته الأولى بمواقف غير مسبوقة، أهمها الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء. هذا القرار لم يكن مجرد موقف دبلوماسي، بل شكل نقطة تحول عميقة في مسار العلاقات الثنائية، التي شملت قطاعات السياسة، الأمن، الاقتصاد، والدفاع. ومع ذلك، فإن ولاية ترامب الثانية، في حال حدوثها، قد تحمل ملامح جديدة تتطلب من المغرب استراتيجيات مبتكرة للحفاظ على مكتسباته وتطوير شراكته مع واشنطن.
المكاسب الاقتصادية
العلاقات الاقتصادية بين البلدين تُعد أحد أعمدة التعاون الثنائي. وفقًا لمعطيات التقرير السنوي للتجارة الخارجية لعام 2022، وصلت المبادلات التجارية بين المغرب والولايات المتحدة إلى 69 مليار درهم مع توقعات بزيادتها في السنوات القادمة. منذ توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 2004، زادت الاستثمارات الأمريكية في المغرب بشكل ملحوظ، خاصة في قطاعات السيارات ،الطائرات ،الطاقة المتجددة والتكنولوجيا. شركات أمريكية كبرى عززت وجودها في المملكة، مستفيدة من الموقع الاستراتيجي للمغرب كبوابة لإفريقيا وأوروبا.
قطاع الطاقة يُعد أيضًا مجالًا حيويًا للتعاون. المغرب يطمح لأن يصبح رائدًا عالميًا في إنتاج الطاقة المتجددة، خاصة من الشمس والرياح، مما يفتح المجال لاستثمارات أمريكية أكبر في مشاريع مثل “نور” للطاقة الشمسية. تقارير البنك الدولي تشير إلى أن المغرب يهدف إلى إنتاج 52% من طاقته الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وهو هدف ينسجم مع الاهتمام الأمريكي بالتكنولوجيا الخضراء.
التعاون الأمني والعسكري
على الصعيد الأمني، يتعاون المغرب والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار الإقليمي. المغرب يُعد شريكًا موثوقًا في برامج التدريب والمناورات المشتركة، مثل “الأسد الإفريقي”، التي تُعتبر الأكبر في إفريقيا، وشارك فيها عام 2023 أكثر من 8000 جندي من 20 دولة. هذا التعاون يعكس أهمية المغرب في الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، خاصة في ظل تزايد التهديدات الإرهابية والهجرة غير الشرعية.
كما أن المغرب يلعب دورًا محوريًا في المبادرات الأمريكية المتعلقة بالأمن البحري، حيث يساهم في حماية الممرات البحرية الحيوية في المحيط الأطلسي والمتوسط. الدعم الأمريكي للمغرب في تحديث قواته المسلحة يُعزز من جاهزية المملكة لمواجهة التحديات الأمنية، ويؤكد على مكانتها كحليف استراتيجي لواشنطن.
التحديات المحتملة
ولاية ترامب الثانية قد تحمل معها تحديات جديدة للعلاقات الثنائية. التركيز الأمريكي المتوقع على مواجهة الصين وروسيا قد يؤثر على أولويات واشنطن في المنطقة. المغرب يواجه أيضًا ضغوطًا من قوى إقليمية ودولية تُعارض المكتسبات التي حققها، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء. التغيرات في الإدارة الأمريكية قد تعيد تشكيل أولويات الدعم العسكري والاقتصادي، ما يستدعي من المغرب العمل على توسيع قاعدته من الشراكات الدولية.
كما أن التحولات في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة في ظل التوترات الإقليمية، قد تُلقي بظلالها على الشراكة المغربية الأمريكية. الاستقرار في منطقة الساحل، التي تُعتبر بؤرة لعدم الاستقرار والتطرف، سيكون اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة البلدين على الحفاظ على شراكتهما الأمنية.
آفاق المستقبل
المغرب يُدرك أهمية تعزيز مكتسباته مع الولايات المتحدة من خلال تنويع مجالات التعاون. مشاريع استراتيجية، مثل افتتاح القنصلية الأمريكية في الداخلة، تؤكد التزام واشنطن بدعم موقف المغرب في قضية الصحراء المغربية . إضافة إلى ذلك، يُمكن تطوير التعاون في مجالات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، ما يعزز من مكانة المغرب كوجهة استثمارية رائدة.
علاوة على ذلك، يمكن أن يلعب المغرب دورًا أكبر في السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا، من خلال تقديم نفسه كشريك موثوق وقادر على دعم المصالح الأمريكية في القارة. التعاون في قضايا الأمن الغذائي ومكافحة التغير المناخي يُمكن أن يُعمق الشراكة الثنائية، خاصة في ظل التحديات العالمية المتزايدة.
وفي الأخير فإن العلاقات المغربية الأمريكية تتمتع بأسس قوية قادرة على الصمود أمام التغيرات السياسية والإقليمية. ومع ذلك، فإن نجاحها في المستقبل يعتمد على قدرة المغرب على التكيف مع ديناميكيات السياسة الأمريكية الجديدة، وتوسيع شراكاته مع قوى عالمية أخرى لضمان التوازن. ولاية ترامب الثانية قد تكون فرصة لتعزيز المكتسبات، لكنها تتطلب من المغرب تبني استراتيجيات دبلوماسية واقتصادية مرنة لتحقيق الاستفادة القصوى.