لم يعد قطاع الصناعة الدوائية مجرد نشاط اقتصادي، بل أصبح ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي وسيادة الدول. لقد كشفت أزمات عالمية، مثل جائحة كوفيد-19، عن هشاشة سلاسل الإمداد العالمية وأبرزت المخاطر الجسيمة المترتبة على الاعتماد على مصادر خارجية لتأمين الاحتياجات الأساسية من الأدوية واللقاحات. من هذا المنطلق، تتعالى الدعوات اليوم أكثر من أي وقت مضى لتبني سياسات دوائية وطنية طموحة، تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وضمان استمرارية الإمداد، وجعل الدواء عالي الجودة في متناول جميع المواطنين.
فمثلما يبحث المستهلك الواعي عن طرق لتعظيم القيمة التي يحصل عليها، كاستخدام “Figs discount code” للحصول على منتج عالي الجودة بسعر أقل، يجب أن تسعى السياسات الوطنية إلى تحقيق نفس المعادلة في قطاع حيوي كالدواء: ضمان أعلى معايير الجودة والفعالية مع مراعاة القدرة الشرائية للمواطن. إن هذه الرؤية تتطلب استراتيجية متكاملة ترتكز على عدة محاور أساسية.
1. مواكبة تطور الصناعة الدوائية: من التقليد إلى الابتكار
يشهد العالم ثورة في مجال التكنولوجيا الحيوية والهندسة الصيدلانية. لم تعد صناعة الدواء مقتصرة على التركيبات الكيميائية التقليدية، بل امتدت لتشمل الأدوية البيولوجية، والعلاجات الجينية، والطب الشخصي. ولكي تظل أي سياسة دوائية وطنية فعالة، يجب أن تواكب هذه التطورات عبر:
– تشجيع البحث والتطوير (R&D): تخصيص ميزانيات حكومية وتحفيز القطاع الخاص للاستثمار في مراكز الأبحاث التي تعمل على تطوير أدوية مبتكرة.
– الشراكات الدولية ونقل التكنولوجيا: عقد اتفاقيات مع شركات عالمية وجامعات مرموقة لنقل المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، وتوطين صناعات معقدة مثل اللقاحات والأدوية البيولوجية.
– تحديث البنية التحتية التنظيمية: تطوير الهيئات الرقابية لضمان قدرتها على تقييم وتسجيل الأدوية الحديثة بسرعة وكفاءة، مع الحفاظ على أعلى معايير السلامة والجودة.
2. سياسة تصنيعية وطنية: بناء السيادة الدوائية
إن جوهر الأمن الدوائي يكمن في القدرة على إنتاج وتصنيع الدواء محليًا. هذا الهدف الاستراتيجي لا يقتصر على تجميع المنتجات النهائية، بل يشمل كافة مراحل سلسلة القيمة، ويتطلب:
– تحفيز تصنيع المواد الخام الفعالة (APIs): غالبًا ما تكون الدول المصنعة للدواء معتمدة على استيراد المواد الخام من عدد محدود من البلدان. يجب تقديم حوافز ضريبية ومالية للشركات التي تستثمر في تصنيع هذه المواد محليًا لتقليل الاعتماد على الخارج.
– دعم المصانع الوطنية القائمة: تقديم قروض ميسرة وتسهيلات للمصانع المحلية لتحديث خطوط إنتاجها وتوسيع طاقتها الاستيعابية لتلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير.
خلق بيئة استثمارية جاذبة: تبسيط الإجراءات الإدارية وتوفير بنية تحتية لوجستية قوية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الصناعات الدوائية.
3. تحفيز صناعة الأدوية الجنيسة (Generics): حجر الزاوية في تحقيق الوفرة والولوج
تعتبر الأدوية الجنيسة الحل الأكثر فعالية لتحقيق التوازن بين الجودة والسعر. الدواء الجنيس هو نسخة مطابقة للدواء الأصلي (المبتكر) من حيث المادة الفعالة، والجرعة، والجودة، والفعالية، ولكنه يُطرح في السوق بسعر أقل بكثير بعد انتهاء فترة حماية براءة الاختراع. وتشمل استراتيجية دعم هذه الصناعة ما يلي:
– توعية المواطنين والأطباء: إطلاق حملات وطنية لتعزيز الثقة في الأدوية الجنيسة والتأكيد على أنها تخضع لنفس معايير الرقابة الصارمة التي تخضع لها الأدوية الأصلية.
– تشجيع الوصف الطبي للأدوية الجنيسة: يمكن للحكومات تبني سياسات تحفز الأطباء على وصف البديل الجنيس كخيار أول، وتلزم أنظمة التأمين الصحي بتغطيته.
– تسريع إجراءات التسجيل: وضع مسار سريع لتسجيل الأدوية الجنيسة فور انتهاء براءة اختراع الدواء المبتكر لضمان دخولها إلى السوق بسرعة.
فالأدوية الجنيسة هي بمثابة “الرمز الترويجي” لنظام الرعاية الصحية؛ فهي تمنح المواطنين والدولة “قيمة أكبر مقابل المال”، مما يحرر الموارد المالية التي يمكن توجيهها نحو علاجات مبتكرة أخرى أو تحسين الخدمات الصحية.
4. تحسين ولوج المواطنين إلى الدواء: سد الفجوة بين المدن والعالم القروي
لا يكتمل الأمن الدوائي إلا بضمان وصول الدواء إلى كل مواطن، بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو وضعه المادي. تحقيق هذا الهدف يتطلب معالجة الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية:
– توسيع شبكة الصيدليات: تقديم حوافز مالية وإدارية لفتح صيدليات جديدة في القرى والمناطق النائية التي تعاني من نقص في الخدمات الصحية.
– تفعيل دور المراكز الصحية الأولية: ضمان توفر قائمة الأدوية الأساسية بشكل دائم في المراكز الصحية القروية، وتدريب الكوادر العاملة فيها على إدارتها بفعالية.
– استخدام التكنولوجيا الحديثة: يمكن توظيف حلول مثل الصيدليات المتنقلة، وتطبيقات التطبيب عن بعد (Telemedicine) لإصدار الوصفات الطبية إلكترونيًا، وحتى استكشاف خدمات التوصيل بالطائرات بدون طيار (Drones) لإيصال الأدوية العاجلة إلى المناطق المعزولة.
– مراجعة سياسات التسعير والتغطية الصحية: ضمان أن أسعار الأدوية الأساسية تظل في متناول الجميع، وتوسيع مظلة التأمين الصحي لتشمل أكبر عدد ممكن من المواطنين، خاصة في العالم القروي.
رؤية متكاملة لمستقبل صحي آمن
إن الدعوة إلى تبني سياسة دوائية وطنية شاملة ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة استراتيجية تفرضها متغيرات الحاضر وتحديات المستقبل. هذه السياسة، التي تجمع بين مواكبة الابتكار العالمي، وتوطين الصناعة، وتشجيع الأدوية الجنيسة، وضمان الوصول العادل للدواء، هي السبيل الوحيد لبناء نظام صحي قوي ومستدام.
تماما كما يبحث الفرد عن صفقة ذكية لتلبية احتياجاته، فإن على الدولة أن تتبنى سياسات ذكية تضمن صحة مواطنيها وأمنهم. فالدواء ليس سلعة كغيرها، بل هو حق أساسي واستثمار في أغلى ما تملكه الأمة: رأسمالها البشري.