أما بعد

شعيرة الأضحى.. أمير المؤمنين يخفف أثقال المعسرين

يشكل عيد الأضحى إحدى المناسبات الدينية التي تحظى باحترام وتقدير كبيرين في المجتمع المغربي. ومع ذلك، أظهر المغاربة فرحة وسرورًا عقب القرار الملكي القاضي بعدم القيام بشعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى لهذا العام، ليس لتراجع مكانة هذه الشعيرة في نفوسهم، بل كدليل واضح على حجم المعاناة الاقتصادية التي تثقل كاهلهم.

لا يمكن إنكار أن عيد الأضحى، الذي يُطلق عليه المغاربة “العيد الكبير”، هو مناسبة دينية ذات مكانة خاصة لدى الجميع، كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين الملك محمد السادس في رسالته التي تلاها وزير الأوقاف أحمد التوفيق مساء أمس الأربعاء، حيث قال: “إن الاحتفال بهذا العيد ليس مجرد مناسبة عابرة، بل يحمل دلالات دينية عميقة، تجسد الارتباط الوثيق لشعبنا بمظاهر ديننا الحنيف، وحرصهم على التقرب إلى الله عز وجل، وتقوية الروابط الاجتماعية والعائلية من خلال هذه المناسبة الجليلة”.

ومن المعروف لدى المغاربة عبر العصور أن هذه المناسبة كانت ولا تزال فرصة لتعزيز قيم التضامن والتقوى والتقرب إلى الله، حيث يحرص المغاربة حتى في أحلك الظروف على اقتناء الأضحية، رغم التضحيات المالية الكبيرة. فالعيد بالنسبة لهم ليس مجرد طقس عابر، بل هو عبادة يتقربون بها إلى الله ويحتسبون أجر تلك التضحيات عند خالقهم.

مع ذلك، فإن توالي الأزمات في السنوات الأخيرة، مثل الجفاف، وتداعيات جائحة كورونا، وارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، جعل اقتناء الأضحية عبئًا ثقيلًا على فئات واسعة من المجتمع. ولذلك، جاء القرار الملكي حكيمًا، ليكون بمثابة طوق نجاة للعديد من الأسر، حيث منحهم فرصة للتخفيف من عبء هذا التحدي المالي دون المساس بجوهر التدين واحترام الشعائر الدينية.

وتبرز الأرقام الرسمية التي أصدرتها مؤسسات وطنية حجم التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المجتمع. فقد كشفت المندوبية السامية للتخطيط في تقرير لها عن تفاقم الفوارق الاجتماعية في مستوى المعيشة، حيث ارتفع هذا المؤشر من 39.5% إلى 40.5%، بعدما كان قد سجل انخفاضًا في سنة 2019 بلغ 38.5%. كما أظهرت أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الهشاشة الاقتصادية بلغ في سنة 2022 حوالي 4.75 مليون شخص.

وفي السياق ذاته، ارتفع عدد الفقراء على المستوى الوطني من 623 ألف شخص في عام 2019 إلى 1.42 مليون شخص في عام 2022. في المقابل، ازداد الأغنياء ثراءً، حيث كشفت معطيات المندوبية السامية للتخطيط أن أغنى 10% من الأسر المغربية تستهلك 16 مرة أكثر من أفقر 10% من الأسر.

كما أظهرت مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل في الفصل الثالث من سنة 2024 أن معدل البطالة في المغرب واصل منحاه التصاعدي، حيث ارتفع من مليون و625 ألفًا إلى مليون و683 ألف عاطل. كما سجل معدل البطالة ارتفاعًا في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة (بزيادة 1.3 نقطة)، ليصل إلى 39.5%، وفي صفوف الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 45 عامًا (بزيادة 0.4 نقطة)، ليصل إلى 4.1%، وكذلك في صفوف النساء (بزيادة 1 نقطة)، ليصل إلى 20.8%.

وفي سياق ذي صلة، كشف استطلاع الرأي الخاص بالمغرب لشبكة “الباروميتر العربي” الذي أُطلق في دورته الثامنة في يونيو 2024 بالعاصمة الرباط بشراكة مع المركز المغربي لتحليل السياسات، عن تزايد كبير في معدلات انعدام الأمن الغذائي في المغرب. فقد أظهر الاستطلاع أن 63% من المغاربة يواجهون صعوبات في توفير الطعام حتى الأشهر الأولى من 2024، مقارنة بـ 36% في عام 2022.

وأشار الاستطلاع إلى أن هذه المشكلة لم تعد مقتصرة على الفئات الفقيرة فقط، بل امتدت إلى شرائح أوسع من المجتمع، حيث عبر أفراد من هذه الشرائح عن قلقهم من توفر الطعام وارتفاع أسعاره، بنسب بلغت 57% و59% على التوالي. وتفاقمت الأزمة المرتبطة بشكل مباشر بزيادة معدلات الفقر، حيث يعاني 66% من غير القادرين على تغطية نفقاتهم من انعدام الأمن الغذائي، و69% من ارتفاع الأسعار.

وبناءً على ما سبق، فإن الفرحة التي عبر عنها الكثيرون بعد إلغاء الشعيرة لم تكن تعبيرًا عن رفضها أو تقليلًا من شأنها، بل كانت صدى لحقيقة مرّة يعيشها المغاربة اليوم، وتحتاج إلى وقفة حقيقية لتصحيح ما يمكن تصحيحه ومعالجة بعض الظواهر مثل الاحتكار وغياب مراقبة الأسعار التي فاقمت معاناة المغاربة بصفة عامة، والأسر ذات الدخل المحدود التي وجدت في القرار الملكي الأخير فرصة للتنفس في ظل موجة الغلاء التي لا ترحم.