تتواصل الانتقادات والشكاوى الموجهة ضد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وذلك بسبب “تواصل غياب النظام الداخلي داخل المؤسسة واستغلال النفوذ وعدم احترام مضامين اتفاق الحوار القطاعي الموقع سنة 2022”.
وفي هذا الصدد، قال النقابي والأمين العام لنقابة العاملين بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، أمين الحميدي، إن المؤسسة “تواجه أزمة تنظيمية عميقة، إذ أنها لا تمتلك نظامًا داخليًا ينظم العلاقة بين الإدارة والعمال، رغم ما ينص عليه القانون للمؤسسات المساهمة بضرورة توفر مثل هذا النظام”.
وأبرز الحميدي أنه “في ظل هذا الغياب، تبرز سلسلة من التجاوزات والإخلال بالحقوق المقررة للعاملين، مما يؤكد حالة الإهمال الإداري وعدم الشفافية في بيئة العمل”، وفق تعبيره، مشددا على أنه على الرغم من أن القانون يشترط على المؤسسات المساهمة اعتماد نظام داخلي يوضح واجبات وحقوق كل من العاملين والإدارة، فإن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، التي تُعد من المؤسسات العمومية الكبرى، دخلت عامها العشرين دون أن تعتمد مثل هذا النظام الحيوي.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “هذا النقص التنظيمي أدى إلى تفاقم المشاكل بين النقابات العمالية والإدارة، إذ لم يتمكن العاملون من الحصول على وثيقة تحدد بوضوح حقوقهم مثل الامتيازات المقررة في النظام الأساسي”.
من جهة ثانية، اعتبر النقابي ذاته أن “الأزمة في المؤسسة ترتبط بتصرفات الإدارة التي تتخذ، وفق تعبيره، من النفوذ وسيلة لإسكات الأصوات المعارضة، فقد سجلت المؤسسة رقماً قياسيًا في تطبيق المجالس التأديبية، حيث كانت نسبة كبيرة من الإجراءات التأديبية تستهدف النقابيين الذين ينتقدون سياسة العرايشي وإهماله لمطالب العاملين، على حد قوله.
وأضاف قائلا: “من المؤسف أن النقابات الفاعلة والأكثر تمثيلية لم تنل الاستجابة الكافية لمطالبها، بالرغم من المطالب المقدمة عبر مفتشية الشغل وتحرير محضر نزاع جماعي يوثق الخروقات الواضحة”.
الحوار القطاعي وتفاقم الأزمة
أكد أمين الحميدي أن “باب الحوار القطاعي لم يفتح إلا في مناسبة واحدة منذ تأسيس الشركة، وذلك عقب نضالات المنظمة الديمقراطية للشغل التي أدت إلى توقيع محضر اتفاق في عام 2022، إلا أن هذا الاتفاق لم يُلتزم بتطبيق باقي نقاطه الأساسية، مثل زيادة الأجر القاعدي ومنح منحة الأخطار المهنية، وتفعيل مؤسسة الأعمال الاجتماعية والتقاعد التكميلي”، على حدق قوله.
وشدد على أن “هذا الإخلال بتطبيق الاتفاق أثار موجة استياء واسعة بين العاملين، مما يعكس جموداً إداريًا يفتقر للشفافية والمساءلة” مضيفا أن “حالة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تبرز كنموذج صارخ للتناقضات التي تعاني منها بعض المؤسسات العمومية في ظل غياب الأنظمة الداخلية الواضحة”.
وختم: “إن غياب الحوار البنّاء والتزام الإدارة بتطبيق الاتفاقيات المبرمة يؤدي إلى تفاقم الأوضاع، ويترك للعاملين مجالاً واسعاً لاستغلال النفوذ الإداري و ممارسة التجاوزات، ويبقى السؤال معلقاً حول كيفية تحقيق إصلاحات شاملة تعيد الثقة بين العمال و الإدارة، وتضمن حقوق العاملين بما يحقق العدالة و الشفافية في بيئة العمل”.
غياب النظام الداخلية
سبق للمنظمة الديمقراطية للشغل أن وجهت، في يونيو 2024، إشعارا لمدير المندوبية الجهوية التشغيل بالرباط، بـ”عدم التزام إدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بتسليم المكتب الوطني لمنظمتنا النقابية بها نسخة من النظام الأساسي لمستخدمي الشركة وتهيئة النظام الداخلي الخاص بالمؤسسة”.
وأخبر المكتب التنفيذي للمنظمة الديمقراطية للشغل، في المراسلة ذاتها، “رفض إدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تسليم المكتب الوطني نسخة من النظام الأساسي لمستخدمي الشركة، كما لم يتم تهيئة النظام الداخلي الخاص بالمؤسسة حسب ما تنص عليه المادة 138 من مدونة الشغل، وذلك بناء على محضر اجتماع نزاع جماعي الموقع بتاريخ 8 يونيو 2022 بين المكتب الوطني لمستخدمي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وممثل المشغل ومفتشي الشغل التابعين بالمندوبية.
واعتبرت المنظمة أن هذا الأمر “يشكل خرقاً صريحاً للاتفاق الموقع ويعيق الجهود المبذولة لتحسين ظروف العمل وتطوير العلاقة المهنية بين الإدارة والمستخدمين”، ملتمسة “التدخل العاجل لتذكير إدارة الشركة بواجباتها والعمل على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، بما في ذلك تسليم النسخة المعتمدة من النظام الأساسي مؤشرة والمصادق عليها من طرف المجلس الإداري لضمان حقوق العاملينة تحقيق السلم الاجتماعي داخل المؤسسة”.
وكان المكتب الوطني للعاملين بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، المنضوي تحت لواء المنظمة الديمقراطية للشغل، قد وجه شكاية إلى مجلس المنافسة، مطالبا إياه بالتدخل بسبب ما وصفه بـ”إقصاء وتغييب البعد الاجتماعي في إطار الاستعداد للتحولات الاستراتيجية التي ستشهدها الشركة”.
وانتقد مستخدمو الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، في الشكاية التي اطلعت عليها جريدة “العمق”، التوجهات الأخيرة للشركة، معتبرين أنها تعكس تغييبا واضحا للبعد الاجتماعي في سياق التحولات التنظيمية والإدارية المزمع تنفيذها.
وأكد المكتب أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، باعتبارها مؤسسة عمومية، مُلزمة بالالتزام بمبادئ الشفافية والمساواة، مع مراعاة الجوانب الاجتماعية للعاملين، خاصة في ظل التحولات التي قد تؤثر بشكل مباشر على حقوقهم ومكتسباتهم، معتبرا أن التوجهات الحالية للإدارة تعكس تجاهلا لهذه المبادئ، حيث لم يتم إشراك الشركاء الاجتماعيين أو فتح حوار جاد بشأن هذه التغييرات وانعكاساتها على الوضع المهني والاجتماعي للعاملين.