المناسبة شرط كما يقال والمناسبات تعددت.. والأمر صار ظاهرة كما يبدو وكما تلتقط كاميرات المنازل والهواتف… لقد انتشر العنف بشكل مخيف، وكثر قطاع الطرق من الشباب الذين لا يجدون عملا أو لا يريدون أن يعملوا ما دام يمكنهم أن يجنوا مالا ببرودة أكتاف.. يحتاجون فقط على سكين طويل أو سكين دراجة نارية يقودها رفيق درب وطبعا مع قلب ميت… أما الضحايا ف”بالعرارم” ففي كل حقيبة هاتف على الأقل بألف درهم، وفي كل مكان يمر عابرون وعابرات على الأخص… والنساء اليوم ما عدن يخفن السير وحيدات في أي وقت، ولا يطلبن أن يرافقهن أخ أو خال أو عم أو ابن جيران… وإذا حصل الاعتداء فالناس يمرون مرور “كيران”، والجميع خائف على نفسه، فلا أحد يتدخل أن يقدم يد المساعدة وأقصى ما يمكن أن يفعله وأقساه هو أن يصور فيديو لامرأة سرقت حقيبتها، أو لشابة تم العبث بوجهها بسكين او شفرة حلاقة، أو لعجوز يسلخ جلدة شاب في عمر حفيده.. في انتظار أن تصل الشرطة أو الدرك إلى المجرم.. وسنشاهد فيديو لهم أيضا وهم يراودون المجرم المقرقب ليضع السلاح ويسلم نفسه، وشيء فينا يقول لهم أطلقوا الرصاص ليرتاح الوطن والناس من شره لكن ربما يمنعهم ما نجهله من ضوابط عملهم.
إلى هنا لا يمكن أن يبدو الأمر عاديا، لكن على الأقل كنا ننظر إلى الأمر على أنه سلوك شوارع وأفعال “سلاكيط” مجرمين، وعلى المرء والمرأة أن يتخذا حذرهما، وعلى الدولة أن تضرب بيد من حديد لحفظ أمن وسلامة مواطنيها، وعلى المجتمع أن يعيد الحماية الجماعية بكشف اللصوص والمجرمين وطردهم وتسليمهم للدرك بدل الاكتفاء بالتفرج فعلى الأقل “اللي ما حشم يخاف”… ولأننا بقينا نتفرج تسلل العنف والإجرام إلى مدارسنا.. وأصبح ذاك المجتمع المدرسي الأفلاطوني الذي يضم الأساتذة والطلاب ممن اختاروا عملة العلم وقيم النبل مجتمعا مخيفا أيضا… وبدل أن تخرج قيم المدرسة إلى الشارع لتنظفه، دخلت قيم الشارع إلى المدرسة لتنجسها.. ويمكنك أن تلحظ ذلك بسهولة في الساحة والأقسام على مستوى اللباس واللغة والشتائم وردود الأفعال تجاه أي دعوة إلى الانضباط أو احترام فضاء المؤسسة… وبات أي مدرس صارم حريص على قيم المدرسة لما يراه في ذلك من حفظ لأمانة الأسر والوطن.. بات شاذا منبوذا من المتعلمين والأسر وأحيانا من بعض زملائه… وساهم الإعلام وما جاوره في نشر ثقافه الحق قبل الواجب… وتواطأ الجميع في إنتاج جيل “مخنت” لا ينبغي أن تصيح في وجهه حتى لا “يتعقد”، ولا أن تضرب الطاولة أو السبورة في وجهه حتى يتأزم أو لا يسكت قلبه… أما إن قدر وفقد مدرس صوابه ولمسه ولو بريش نعام فالويل له، ستزوره كل اللجن وكل وسائل الإعلام التي لم تصور إنجازاته أو أنشطته يوما… سيأتون جميعا لأن الولد سيدخل في اكتئاب وقد ينتحر وسيحصل على شواهد طبية كفيلة بأن تغرق “شقف” الأستاذ ليندم على اليوم الذي ولد فيه.. وسيحتاج إلى كثير من وسطاء الخير وأصحاب 4011 ليتنازل له أب التلميذ. وسيسمع كثيرا “مالك على حالتك؟”
متيقن أنا أن الكثيرين من الآباء بمن فيهم رجال الدولة والوزراء والساسة والأثرياء يقسون على أبنائهم أحيانا حبا فيهم، ويطلبون من أساتذتهم ألا يتساهلوا معهم حرصا على مصلحتهم.. ولذلك يتفوقون ويكونون أقوياء قادرين على أن يسوسوننا بالمعنيين..
علينا أن نحذر من صناعة جيل خطير على نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه، جيل لا يستطيع تحمل مسؤولية ويحب كل شيء سهل ويتلذذ بالتخريب والعنف وقتل الوقت… ومن هذا السهل الحصول على نقط دون جهد، والغياب دون مبرر، والحضور وقتما يشاء وكأنه في جامعة حرة، وله أن يكتب ما يشاء ويقرأ ما يشاء من مواد ودروس، وينتقي من الأساتذة من يشاء وتشاء، وله حق والنوم في القسم إن شاء أو شاءت، وغناء الراب متى يشاء وتشاء، وتقليد أصوات الحيونات متى يشاء وتشاء، وأكل العلكة والبيمو والمسمن متى يشاء وتشاء، والدخول بنصف سروال أو أقل، والتزين بكل المساحيق الممكنة كما تشاء ويشاء أيضا، وقص الشعر بالطريقة التي يريد، والغش في الفروض والامتحانات بالعلاني والهاتف وال.VIP.. وهلم جرا مما تعرفون ويعرفون.
وأمام هذا الوضع المتسيب يصبح أمام الأستاذ(ة) أو الإداري(ة) خياران: مية تخميمة وتخميمة بمسايرة جنون الجيل والتساهل معهم حد العبث أو ضربة بالشاقور.
رحم الله الأستاذة هاجر ونجانا وإياكم من العنف وما قرب إليه من قول أو عمل.