وجهة نظر

ظاهرة التشرميل: حين يتحول الانحراف إلى “مفخرة”!!

في زمن مضطرب، أصبحت الجريمة لا تُرتكب في الخفاء فقط، بل تُوثق، وتُنشر، ويُتباهى بها على منصات التواصل الاجتماعي، وكأنها إنجاز يُفتخر به! إنها ظاهرة التشرميل، هذا الداء الذي ينخر مجتمعاتنا ويغتال أمننا الجماعي يوما بعد يوم.
صديق لي، شاب في مقتبل العمر، ابن مدينة الرشيدية تعرض قبل أيام لاعتداء همجي لا يمكن وصفه إلا بالوحشية. هجوم بالسكاكين على مستوى الوجه، الوجه الذي هو مرآة الإنسان ووسيلته الأولى للتواصل مع العالم.
ثلاث ساعات داخل غرفة العمليات، ما يزيد عن 60 غرزة… ليست مجرد أرقام، بل هي جراح نفسية قبل أن تكون جسدية، ندوب على الجسد ونزيف في الكرامة.
هؤلاء “المشرملون” لا يكتفون بجرائمهم، بل يوثقونها بالفيديوهات والصور، وينشرونها بتفاخر، وكأنها بطولة! كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الانحدار والاندحار؟ كيف أصبحت السكاكين أداة شهرة؟ بل كيف تحوّلت حياة الناس إلى أهداف في “مباراة عنف” من دون قواعد ولا رادع؟
إن ظاهرة التشرميل ليست مشكلة أمنية فقط، بل هي أزمة أخلاق، وتفكك أسري، وفراغ تربوي، وغياب قدوات حقيقية. هي نتيجة طبيعية لمجتمع يهمّش شبابه، ويتركهم في فراغ قاتل، تتلقفهم شبكات الجريمة والانحراف.
رسالة إلى الشباب:
أن تكون شابًا لا يعني أن تكون متهورًا، وأن تكون غاضبًا لا يبرر أن تؤذي غيرك. البطولة الحقيقية ليست في حمل السلاح الأبيض، بل في حمل مشروع حياة. لا تجعل من نفسك أداة في يد من يريدونك وقودًا لجريمة، بل كن صانعًا للخير، وبانيًا لمستقبل أفضل.
رسالة إلى الأمن والمسؤولين:
نحن نثق في مؤسساتنا الأمنية، لكننا ننتظر تحركًا أكثر حزمًا وصرامة. نريد أن يشعر المواطن بالأمان في الشارع، في المدرسة، وفي الحي. المطلوب ليس فقط الردع، بل الوقاية، عبر سياسات اجتماعية موجهة وبدائل شبابية جاذبة. الأمن مسؤولية جماعية، لكنكم خط الدفاع الأول.
إشارة قانونية:
جدير بالذكر أن القانون الجنائي المغربي يجرم حمل السلاح الأبيض دون مبرر مشروع، ويُشدد العقوبة حينما يكون استعماله بغرض الاعتداء، حيث قد تصل العقوبة إلى عشر سنوات سجنا نافذا أو أكثر في حالة العنف المفضي إلى عاهة مستديمة، خاصة إذا تعلق الأمر بالوجه، كما هو منصوص عليه في الفصل 401 من القانون الجنائي.
لنكن جميعًا في مواجهة هذا الوباء الأخلاقي، ولنقف صفًا واحدًا ضد من يحاولون ترويع الآمنين وتشويه صورة مجتمعنا.