انتهى أخيرا الماراثون القضائي الطويل الذي استنزف مجموعة “ينا هولدينغ” لأكثر من خمسة عشر عام، بصدور حكم قضائي عادل في 15 ماي 2025، ينصف المجموعة ويسقط كل مناورات شركة Fives FCB الفرنسية، التي سعت عبر مرافعات واهية وغير منطقية إلى انتزاع ما لا تستحقه.
جاء هذا الحكم بمثابة انتصار للقضاء المغربي ونزاهته، رغم المحاولات المتكررة، بما فيها الإعلامية، للتأثير على مجريات القضية لصالح الشركة الفرنسية. ولعل أبرز تلك المحاولات ما نشرته إحدى الصحف بتاريخ 12 ماي 2025، في استجواب مع المدير العام للشركة، حيث أتيح له المجال لقول ما يشاء، بل ذهب أبعد من ذلك حين أرسل إشارات تحذيرية تدعي أن مصير هذا الملف قد يؤثر على جاذبية الاستثمارات الأجنبية في المغرب. كما انخرطت الصحيفة ذاتها في تبرير مواقف الشركة واستصدار “شهادات حسن سلوك” لصالحها، في خطاب يوحي كما لو أننا تحت وصاية فكرية وأخلاقية لكل ما يأتي من فرنسا، متجاهلين استقلالية القضاء المغربي وسموه عن الحسابات الخارجية.
لقد تم توظيف مغالطات منطقية وتقديم خطاب يبدو مقنع شكليًا، لكنه لا يستند إلى الواقع. استُخدمت أسئلة منتقاة بعناية لتمنح المستجوَب الفرنسي مساحات فضفاضة من الكلام، تحولت إلى دعاية موجهة، تخفي خلفها محاولات بائسة للتأثير في الرأي العام، وتشكيل وعي زائف يخدم مصالح شركة لم تلتزم يوم بتعهداتها.
ولم يكن مستغرب هذا التركيز الإعلامي على “صورة الشركة الفرنسية” في العالم، بينما تم التعتيم المتعمد على الضرر الكبير الذي لحق بمجموعة “ينا” والبعد الأخلاقي والاقتصادي لإرث مؤسسها الراحل الحاج ميلود الشعبي. والحقيقة أن الشركة الفرنسية المعنية لم تكن مستثمر مباشر في المغرب، بل تعهدت – حين توقيعها اتفاق الشراكة مع “ينا أسمنت” – بتوفير الاستثمار اللازم لإطلاق المشروع، لكنها تخلت عن التزاماتها، وأخلت بجوهر الشراكة، ما أعطى لـ”ينا أسمنت” كامل الحق في التراجع عن المشروع، طالما أنه بلا أفق ولا ضمانات للنجاح.
كان من الأجدر بالصحيفة أن تتناول الملف بنزاهة، عبر تحليل موضوعي يدعم الثقة في القضاء، ويؤكد للرأي العام أن الحكم عنوان الحقيقة، وأن لا شيء يدار في الخفاء. فثقة الناس في القضاء تتعزز بالعلنية والشفافية، وتنهار حين يتم الالتفاف عليها بمغالطات مقصودة.
للأسف، لم تلتزم الصحيفة بأبسط قواعد المهنية الصحفية، بل تحولت إلى منبر دعائي يخدم طرف واحد. لقد غيبت الحد الفاصل بين التحليل القضائي المسؤول والمصالح الاقتصادية التي حركت تصريحات مدير الشركة الفرنسية، وساعدته الصحيفة على الترويج لها، دون مساءلة أو تحقيق.
رغم كل هذا، بقي القضاء المغربي وفي لرسالته، مستند فقط إلى الأوراق والحجج المعروضة، دون أن يتأثر بما نشر، أو أعيد نشره، في صحف أخرى. فالإعلام يمارس حرية التعبير، لكن القضاء يمارس مهامه في ظل ضمانات دستورية تضمن استقلاليته، وهو ما تأكد مجدد من خلال هذا الحكم العادل.
لقد كان حكم يجسد العدالة الحقيقية، وينتصر للحق، ويفضح الحصانات الزائفة والمناورات المكشوفة. حكم طوى سنوات من التلاعب والتضليل، وجاء لينصف الحاج ميلود الشعبي، العصامي الوطني الصادق، الذي بنى مجده بثبات، وكان رمز للوفاء والنزاهة.
لقد مرت المجموعة بسنوات قاسية، طالت تبعاتها سمعة الرجل وعائلته، ماديا ومعنويا، لكن الطريق بات اليوم ممهد لرد الاعتبار لاسمه وذكراه.
فلترقد روح الحاج ميلود الشعبي في طمأنينة وسلام.
* إعلامي ومستشار في التواصل