من العمق

لغروس يكتب: من يوجعه تقارب اليساريين والإسلاميين؟

تؤكد الوقائع والمؤشرات يوما بعد يوم أن تمت جهات ما أو جهاز ما أو مخزن ما -ليس اليوم فقط بل منذ القدم- لا يريد أن يحدث أي تقارب بين اليساريين والإسلاميين أو بين القوى الديمقراطية بشكل أدق، ولذلك تعمل تلك الجهات ما بوسعها للاستثمار في التناقض وإذكاء الصراع بين الطرفين أو تلك الأطراف، بل ومده بمختلف الجروعات المغذية السامة والمؤججة والتي تبتدئ من التوظيف والمد بمختلف الوسائل المادية إلى مستوى إراقة الدماء بما يباعد الشقة بين الطرفين أو بما يشعل فتة الاقتتال والحروب، والحروب المضادة، ورغم اجتهاد القوى الواعية من الطرفين في تفويت الفرصة على المستثمرين في التناقض إلا أن مساعيهم الخبيثة لابد أن تأتي ببعض النتائج وإن بشكل جزئي أو ظرفي أو متقطع، لكنها بالتأكيد تأتي على حساب الوطن وانتقال ديمقراطي ندعي أننا انطلقنا فيه منذ عقود، غير أننا لم نصل بعد، ولم نلمح نقطة الوصول حتى.

المؤشر الجديد في هذا الزعم هو ما صرح به الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران عندما حل مؤخرا بالمقر التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بحي أكدال بالرباط حيث قال -بعد أن نفى عنه تهمة قتل القيادي الاتحادي عمر بنجلون وأنه كان حين مقتله مع الشبيبة الاتحادية- إن نقاشا كان بينهم في الشبيبة الإسلامية بعد مقتل بنجلون كان مفاده أن من دبر قتل بنجلون إنما كان هدفه ألا يكون هناك أي تقارب بين الشبيبة الإسلامية والاتحاديين”.

وهو نقاش يعيد للواجهة وبقوة سؤال من دبر اغتيال بنجلون وقادة آخرين في وقائع مشابهة، حيث عادة ما نعرف المنفذ لكن لا يعرف المدبر الحقيقي لتلك الفواجع، ولعل أولى خيوط الإجابة كما يفعل المحققون عادة هي الجواب عن سؤال من المستفيد من الاغتيال المادي للأفراد والمعنوي للوطن؟

المؤشر الثاني ما رواه مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضري، يوما في دردشة حضرتها حيث فسر حملة الاعتقال والسجن التي طالته إلى جانب كل من محمد المرواني ومحمد أمين الركالة، وماء العينين العبادلة، وعبد الحفيظ السريتي. أن من خلفياتها بواعث تقارب بدا في الأفق بين قوى وطنية مختلفة فيها اليسار والإسلاميين خاصة كما قال المعتصم، وعدد من المعتقلين هم رموز ديمقراطية منفتحة ومستعدة لتغليب كفة الديمقراطية وحقوق الإنسان والوطن في نهاية المطاف على حساب اعتبارات إديولوجية قد تفرق أكثر ما ستجمع. فمن المعلوم أن الجهات المعلومة والمجهولة في الوقت ذاته لا تترك شيئا للمفاجأة أو الصدفة.

المؤشر الثالث ما وقع من فاجعة اغتيال شهيد الحركة الطلابية المغربية عبد الرحيم حسناوي في 24 أبريل 2014، حيث إن واقعة الاغتيال وما رافقها من إسالة للدماء من طرف عصابة البرنامج المرحلي من خلال الهجوم الغادر على الطلبة، وما سبقه من وعيد وتهديد شفهي ومكتوب على مرأى ومسمع من الجميع، تم كل ذلك على هامش إرادة كان يعتزم من خلالها الطلبة تنظيم ندوة بعنوان “التقارب بين الإسلاميين واليساريين” كان يفترض تأطيرها من طرف الأستاذين حسن طارق وعبد العالي حامي الدين.

ضمن هذا السياق أذكر مضمون كلام للكاتب “جون واتر بوري”، والذي مفاده أن الذي يزعج الاستبداد ويقض مضجعه ليس هو حجم ولا مستوى السباب والقذف في حقه ولا حتى الصراخ في وجهه، بل مستوى التقارب والتنسيق بين القوى الديمقراطية الوطنية.

فمتى تستوعب نخبنا الوطنية أن الصراع الأفقي لا يمكن إلا أن ينهك الطرفين مهما بلغت قوتهما، وأن ذلك الصراع لن يستفيد منه إلا الجهات المستثمرة في اليأس والتيئيس والمستفيدة من تطاحن القوى الحية في البلد، إن مسؤولية القوى الديمقراطية أيضا قائمة ولا يمكن القفز عليها في هذا الصدد، حيث نجد البعض ألف حالة التعايش تلك مع هذه القلاقل، بل هناك من يعتبرها إرث ينبغي الدفاع عنه بكل الوسائل والحال أن حاله يدعو للشفقة حيث إنه في نهاية المطاف موظف في إطار أجندة مخدومة.

وقائع مختلفة تذهب في اتجاه زعم أن هناك من يوجعه أي تقارب بين القوى الوطنية في البلد، بل ويسعى جاهدا لعرقلته والتشويش عليه بكل الوسائل، ولعل التشويش الذي تعرض له ابن كيران قبل دخول المقر التاريخي لحزب عبد الرحيم بوعبيد لا يخرج بشكل أو بآخر عن تلك المساعي، غير أنه وحسب ما بدا، فإن المستثمرين في التناقضات بين النخب، لم يتجرؤو على تجاوز ذلك الحد في التشويش، فتم اللقاء الذي وصف بالتاريخي وهو المليء بالدلالات السياسية، لعل أحدها التأشير على مصالحة بين الاتحاديين والعدالة والتنمية انطلقت بتبرئة ابن كيران من دم بنجلون بشهادة غير مسبوقة للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر وما الواقعة إلى بداية لمرحلة أخرى قادمة، والله أعلم.