سلط التقرير السنوي لمؤسسة وسيط المملكة برسم سنة 2024 الضوء على استمرار مظاهر الخلل في أداء المرافق العمومية، وسط تصاعد تظلمات المواطنين وتزايد حدة التوتر في علاقتهم بالإدارة، في سياق مؤسساتي يشهد تحولات متسارعة وتطلعات نحو ترسيخ مبادئ الشفافية والإنصاف.
وقد بلغ مجموع ملفات التظلم التي عالجتها المؤسسة سنة 2024 ما مجموعه 5774 ملفا، مقابل 5448 خلال السنة التي سبقتها، ما يعكس تصاعدا في الطلب الاجتماعي على مؤسسة الوسيط، وتحولها من مجرد جهاز تظلمي إلى فاعل مؤسساتي مركزي في ضبط اختلالات الإدارة المغربية. وبالموازاة مع هذه التظلمات، تلقت المؤسسة ما يناهز 2182 طلبا للتوجيه، و11 طلبا للتسوية الودية، وهو معطى يحمل دلالات واضحة وقوية على تصاعد وعي المرتفق المغربي بأهمية المساطر التوفيقية والوسائل البديلة لحل النزاعات الإدارية، ويكشف من جهة أخرى عن حاجة ملحة لتوسيع ثقافة الوساطة داخل الإدارة .
وبحسب التقرير، بلغ عدد ملفات التظلم التي توصلت بها المؤسسة خلال السنة الماضية 2325 ملفا إداريا، و1761 ملفا ماليا، إلى جانب 926 ملفا عقاريا، بما يمثل نحو 87 في المئة من مجموع الشكايات المسجلة.
ورصدت المؤسسة تحولا نوعيا في طبيعة التوترات بين المرتفقين والإدارة، حيث لم تعد تقتصر على خدمات تقليدية، بل امتدت إلى تقييم السياسات العمومية والبرامج الكبرى، في ظل تزايد الترابط بين الشكايات الفردية والمطالب الاجتماعية، وهو ما يعكس اتساع الهوة بين المواطن والإدارة.
وفي تعليق على المعطيات الواردة في التقرير، اعتبر يوسف كراوي الفيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن الأمر يتعلق باختلالات بنيوية في تدبير المرفق العمومي، محذرا من تأثيرها على تنزيل مشاريع استراتيجية، في مقدمتها ورش الحماية الاجتماعية.
أما على مستوى مضمون الملفات، فقد تصدرت القضايا ذات الطابع الإداري مجمل التظلمات بنسبة كبيرة، تلتها الملفات ذات الطبيعة المالية والعقارية. وقد تم تسجيل تركز عال للتظلمات في مجالات تنفيذ الأحكام القضائية، وملفات ناتجة عن الأضرار المرتبطة بالكوارث الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة لزلزال الحوز، ما يدل على استمرار التعثر الإداري في الاستجابة للالتزامات القانونية والتنظيمية، ويطرح علامات استفهام كبرى حول نجاعة بعض المؤسسات الترابية والإدارية .
وفي مجال تفاعل مؤسسة الوسيط مع التوصيات، تم إصدار 146 توصية جديدة سنة 2024، في حين تم تنفيذ %70.15 من مجموع التوصيات التراكمية البالغ عددها 992 توصية، وهو مؤشر مهم، لكنه في الآن ذاته يعكس تفاوتا مقلقا في تجاوب القطاعات الوزارية والجماعات الترابية، لا سيما جماعة الدار البيضاء التي جاءت في مؤخرة الترتيب من حيث التفاعل. هذا التفاوت يشير إلى الحاجة الملحة إلى مراجعة آليات التنسيق المؤسساتي وتفعيل الطابع الإلزامي للتوصيات بشكل أكثر صرامة، وحماية لحقوق المرتفقين وضمانا لمبدأ استمرارية المرفق العمومي ومبدأ المساواة أمامه.
إقرأ أيضا: الوسيط: 87% من التظلمات تكشف عن “اختلالات نمطية” في علاقة المغاربة بالإدارة
وأوضح الفيلالي أن انتقال التظلمات من انتقاد أداء إداري إلى مساءلة السياسات العمومية يطرح تساؤلات عميقة حول فعاليتها وقدرتها على تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، داعيا إلى إصلاحات هيكلية وتدخل حكومي عاجل لتصحيح المسار وتحسين جودة الخدمات العمومية.
وحذر من أن التهاون في معالجة هذه الاختلالات قد يؤدي إلى موجات احتجاجية تضر بالاستقرار الاجتماعي، مشددا على أهمية التفاعل الجاد مع تقارير المؤسسات الدستورية، خاصة من قبل الحكومة والبرلمان، بعيدا عن الحسابات السياسوية.
ومن جهته، أكد رشيد الصديق، رئيس المركز المغربي للمواطنة، أن الأرقام التي كشف عنها تقرير الوسيط تعكس بوضوح تفاقم أزمة الثقة بين المواطن والإدارة، وتبرز حجم الانتظارات المجتمعية المعلقة على أداء المرافق العمومية، رغم الجهود المبذولة في مجالات الرقمنة والإصلاح.
وأشار الصديق إلى أن بطء المساطر، وضعف قنوات التواصل، وصعوبة الولوج إلى الحقوق، ما زالت تشكل عوائق يومية أمام المواطنين، موضحا أن الكم الكبير من الشكايات يعكس فقدان الأمل في قدرة الإدارة على إنصاف المرتفقين ذاتيا، دون الحاجة إلى تدخل خارجي.
وانتقد الصديق استمرار تجاهل توصيات مؤسسة الوسيط من قبل بعض الإدارات، معتبرا أن ذلك يعمق الفجوة بين الدولة والمواطن، ويكرس غياب ثقافة خدمة المرتفق، مضيفا أن هذا الواقع قد يقوض الثقة في القانون ويضعف الوعي الحقوقي الناشئ لدى فئات واسعة من المواطنين.
ودعا رئيس المركز المغربي للمواطنة إلى تفعيل مضامين تقارير مؤسسة الوسيط بشكل جدي ومسؤول، وجعلها منطلقا لإصلاح إداري شامل يعيد الاعتبار للمرفق العمومي، ويجعل من كرامة المرتفق محورا رئيسيا في صياغة السياسات العمومية.