توجيه الخطاب من الملك إلى شعبه تجسيد لمبدأ دستوري منصوص عليه منذ دستور 1962 من خلال الفصل 28 ومرورا بجل الدساتير التي تعاقبت و آخرها دستور 2011 في فصله 52. آلية دستورية لتسطير و تحديد السياسات العامة للدولة و ذلك من خلال تقييم السياسات العمومية و القطاعية الحكومية و ترسيم خارطة الطريق الضرورية للإجابة على الأسئلة الكبرى ذات البعد الإستراتيجي.
خطاب الملك محمد السادس حفظه الله يوم الثلاثاء 29 يوليوز 2025 بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، خطاب بحمولة قوية.
إفتتاحية الخطاب الملكي السامي أشارت إلى تجديد روابط البيعة و تثبيت شرعيتها التاريخية تأكيدا على نعمة الإستقرار الدستوري و السياسي الذي ينعم به المغرب.
كما توقف الخطاب الملكي على النتائج التي جعلت من المغرب قوة إقتصادية صاعدة على المستوى الإقليمي. بلد صاعد ببنيات تحتية كبرى و توازنات ماكرو إقتصادية سليمة جعلت الإقتصاد المغربي متنوعا و متوفقا في بعض القطاعات الصناعية مع التأكيد على أهمية و ضرورة الإستثمار في القطاعات التنافسية.
البعد الإجتماعي كان حاضرا و بقوة حيث أكد جلالته على أن “التنمية الإقتصادية لا تساوي شيئا إن لم تنعكس على عيش المواطنين”. حرص الملك محمد السادس حفظه الله على ضرورة الأخذ بعين الإعتبار للعدالة المجالية خصوصا في بعض المناطق القروية حيث “تعاني من مظاهر الفقر و الهشاشة بسبب النقص في البنيات التحتية و المرافق الأساسية”. إنها دعوة واضحة لإطلاق برامج جديدة للتنمية المجالية المندمجة بخصوصيات محلية تكريسا لمفهوم الجهوية الموسعة.
خطاب الملك محمد السادس في مناسبة عيد العرش المجيد و ما تحمله هاته المناسبة من دلالات تاريخية لتلاحم شعب في ضل مؤسسة حاضنة و جامعة، يجعل الفاعل السياسي، بإعتباره شريكا أساسيا و مؤسساتيا، في مسؤولية كبرى مرتبطة بتنزيل الرؤية الملكية ذات البعد الإستراتيجي على أرض الواقع. المغرب يطمح إلى إقتصاد متنوع و قوي ضامن لتوزيع متكافئ للثروات في ظل عدالة مجالية حتى لا تكون هناك تنمية بسرعتين مختلفتين.
خطاب الملك محمد السادس واقعي و عملي حيث حرص على تحديد الأولويات بشكل واضح و مشاريع ذات تأثير ملموس تهم مجالات من قبيل التشغيل و تقوية الخدمات الإجتماعية الأساسية كالتربية و التعليم و الصحة. كذلك عبر إعتماد تدبير إستباقي و مستدام للموارد المائية و إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج.
خطاب بلغة براغماتية و نحن على بعد سنة من الإستحقاقات الإنتخابية التشريعية حيث أعلن الملك محمد السادس على ضرورة توفير و إعتماد المنظومة العامة المؤطرة لهاته الإنتخابات قبل نهاية السنة الحالية.
يبقى السؤال الكبير مرتبط بمدى جاهزية النخبة السياسية في الإسهام في هذا التوجه المهم الذي يطمح في جعل المغرب من الدول التي يحسب لها ألف حساب إقليميا و دوليا وخصوصا بعد التغيرات التي شهدها العالم بأسره مؤخرا على المستويات السياسية و الإقتصادية وكذلك السيادية.