بالتزامن مع بدء المشاورات التي أطلقتها وزارة الداخلية تحضيرا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يطفو ملف التمثيلية النسائية بقوة على سطح النقاش السياسي، كاشفا عن إجماع نسائي حزبي على ضرورة رفع سقف التمثيلية الحالية، وفي المقابل، تباين في تحديد الآليات الأنجع لتحقيق هذا الهدف.
ففي الوقت الذي تتفق فيه القيادات النسائية على مطلب رفع حصة النساء في المؤسسات المنتخبة إلى الثلث كحد أدنى، استنادا إلى دستور 2011 الداعي إلى المناصفة، تتجه بعض الأصوات إلى المطالبة بتنقية الأجواء الانتخابية من الفساد المالي كشرط أساسي لتشجيع النساء على المشاركة، وابتكار آليات تحفيزية جديدة، مثل تقديم دعم مالي ضافي للأحزاب التي تدعم ترشيح النساء في مراتب متقدمة، وذلك لتجاوز نظام “الكوطا” الذي، ورغم أهميته كمرحلة انتقالية، يخشى أن يتحول إلى “ريع سياسي”.
هذا الحراك يضع الأحزاب السياسية أمام تحد مزدوج، يتمثل الأول في ترجمة مطلب رفع “الكوطا” إلى إجراءات عملية في مذكراتها المطلبية، والثاني في العمل على تغيير العقليات التي لا تزال تشكل عائقا حقيقيا أمام التطبيق الفعلي للإصلاحات القانونية، في مسار يوصف بأنه “يسير على سكة منعرجة” نحو تحقيق مشاركة سياسية كاملة وفاعلة للمرأة المغربية.
وفي هذا الصدد، أكدت القيادية في حزب الاستقلال خديجة الزومي، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن هناك إجماعا بين كافة التنظيمات النسائية للأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان على ضرورة رفع تمثيلية النساء إلى الثلث كحد أدنى في الاستحقاقات المقبلة، مشيرة إلى أن النقاش حول آليات تحقيق هذا المطلب لا يزال مفتوحا.
وأوضحت الزومي أن هذا المطلب يستند إلى مرجعيات قوية، أبرزها دستور 2011 الذي ينص على المناصفة، بالإضافة إلى المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، والدعم الذي يقدمه جلالة الملك لتعزيز التمثيلية النسائية في خطبه الموجهة للبرلمان. وذكرت أن نسبة التمثيلية الحالية للنساء التي تبلغ 24 في المائة يجب أن ترتفع لتصل إلى الثلث كحد أدنى، معتبرة أن هذا الهدف يمثل خطوة نحو المناصفة الكاملة التي تتطلب تدرجا وتراكما لتحقيقها.
وشددت على أن النقاش الحالي داخل الأحزاب يركز على تحديد الآليات والإجراءات العملية لتنزيل هذا الهدف، وهو ما يتطلب وقتا لدراسة المعطيات المتعلقة بالدوائر الانتخابية والإحصاءات السكانية، مؤكدة أن القياديات النسائية لا يمكنهن استباق أحزابهن في طرح التصورات النهائية.
واعتبرت أن دور القياديات يكمن في الدفاع والترافع داخل هيئاتهن الحزبية لضمان تبني مطلب الثلث في المذكرات الرسمية التي سترفعها الأحزاب، على أن يتم التوافق لاحقا حول أفضل الآليات التي تضمن تحقيق هذا الهدف دون المساس بالعملية الديمقراطية الداخلية للأحزاب.
من جانبها، اعتبرت القيادية في حزب التقدم والاشتراكية سمية حجي أن رائحة الفساد المالي التي تفوح من العملية الانتخابية تعد سببا رئيسيا وراء تخوف النساء من المشاركة السياسية، منتقدة ضعف حضورهن في طاولة صياغة القوانين التي تهمهن بالدرجة الأولى.
وأوضحت حجي، في معرض ردها على أسئلة جريدة “العمق” بخصوص مطالب الحزب لتعزيز التمثيلية النسائية في الاستحقاقات المقبلة، أن تنقية الأجواء الانتخابية شرط أساسي لرفع منسوب ثقة المواطنات والمواطنين في العملية السياسية برمتها.
ووصفت حجي نظام “الكوطا” بكونه كان بمثابة “طوق نجاة” سياسي مكن من ولوج 90 نائبة لقبة البرلمان، غير أنها شددت على ضرورة أن تظل آلية انتقالية لتأهيل النساء لخوض المعارك الانتخابية، محذرة من تحولها إلى “ريع سياسي”.
ودعت الفاعلة السياسية إلى رفع نسبة التمثيلية النسائية الحالية التي وصفتها بغير الكافية، وكشفت عن تفكير الحزب في آليات تحفيزية جديدة كمنح دعم مالي إضافي على شكل “بونيس bonus” للأحزاب السياسية التي تشجع ترشيح النساء وتضعهن في مراتب متقدمة باللوائح الانتخابية.
وأكدت حجي أن تجاوز تحديات المشاركة السياسية للمرأة لا يقتصر على الإصلاحات القانونية فقط، بل يمتد ليشمل ضرورة تغيير العقليات والسلوكات السائدة، مشيرة إلى أن مسار تمثيلية النساء يشبه قطارا يسير على سكة منعرجة، يتزود بالإصلاحات لكنه يصطدم بمعيقات تحول دون تطبيقها الفعلي.