مجتمع

عوائق قانونية ومالية ومؤسساتية تكبل عمل الجمعيات البيئية في المغرب

كشف تقرير صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات أن منظمات المجتمع المدني البيئية، التي لا تتجاوز 5% من الجمعيات المسجلة في المغرب، تواجه عوائق قانونية ومالية وهيكلية تحد من فعاليتها في مواجهة تحديات التغير المناخي.

وأبرز التقرير أن الإطار القانوني الذي ينظم عمل المجتمع المدني ما زال يشكل عقبة أمام الجمعيات البيئية، خاصة تلك المنخرطة في قضايا الترافع، إذ رغم تعديل ظهير 1958 سنة 2002، لا تزال المنظمات الصغيرة، خصوصا في المناطق القروية وشبه الحضرية، تصطدم بتعقيدات التسجيل وتأخر المساطر الإدارية وعدم اتساق تطبيق النصوص بين السلطات المحلية.

ونقل تقرير المقدرات المؤسساتية لمنظمات المجتمع المدني البيئية في المغرب، عن عدد من جمعيات أن هذا الوضع يحد من قدرتها على التعاون المؤسساتي أو بناء شراكات، فيما يظل اللجوء إلى الأدوات القانونية إما غير مجدٍ أو معقدا بما يكفي لتعطيل أي مبادرات ملموسة.

وضمن الأمثلة التي وردت في التقرير، محاولة منظمة في مكناس جمع 10 آلاف توقيع لعريضة رسمية، غير أن تدخل لوبي شركات قوية حال دون إتمامها. كما أشار التقرير إلى محور التلوث الذي يضم عددا من الشركات الصناعية الكبرى مثل “لافارج هولسيم” و”دانون”، إضافة إلى شركات تعبئة المياه والتعدين، والتي تسهم أنشطتها في تدهور بيئي متزايد بالمنطقة.

مركزية القرار

كما لفتت منظمات من واحات فكيك وطاطا والمناطق الجبلية في فاس مكناس وتطوان إلى غياب قوانين تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه النظم البيئية، معتبرة أن التشريعات الحالية غير كافية، ودعت إلى إرساء إطار قانوني ملائم يعترف بخصوصية هذه المناطق ويضع آليات لحمايتها.

التقرير أشار إلى أن السلطات المحلية، رغم التوجه نحو الجهوية المتقدمة، ما تزال تفتقر إلى الاستقلالية المالية والقدرات التقنية لتنفيذ سياسات بيئية فعالة، موضحا  أن عملية صنع القرار البيئي ما تزال مركزية للغاية، خاصة في إدارة المياه وتخطيط الأراضي، مما يقيد قدرة المجالس المحلية على تكييف السياسات وفق حاجيات مجتمعاتها.

وأكد التقرير أن عددا من المسؤولين المحليين ينظرون إلى مشاريع الجمعيات البيئية كمنافسة، لا كجهود داعمة، وهو ما يؤدي إلى ضعف التعاون، ووفق دراسة للمندوبية السامية للتخطيط أوردها التقرير، فإن 41.5% من منظمات المجتمع المدني تعتبر التنافس على التمويل عائقا كبيرا، أما النشطاء في المناطق الجبلية والواحات فقد شددوا على أن اللامركزية شرط أساسي لإنجاح حملاتهم، معتبرين أن القرارات المركزية في الرباط غالبا ما تُتخذ بمعزل عن الواقع المحلي.

كما كشف التقرير أن 43% من الجمعيات المستجوبة ترى أن الفضاء المدني في المغرب يشهد تقلصا ملحوظا، حيث أصبح أي نشاط مشروطا بالحصول على إذن مسبق من السلطات المحلية، حتى في الحالات التي تتعلق بأنشطة سبق تنفيذها.

أزمة التمويل 

وأكد أن ضعف الاستدامة المالية يبقى من أبرز العوائق أمام المنظمات البيئية، إذ تعتمد أغلبها على تمويلات قصيرة الأمد من جهات مانحة دولية، مما يخلق حالة من عدم اليقين المالي ويحد من قدرتها على التخطيط بعيد المدى، فيما تبقى معدلات نجاح الجمعيات في الحصول على هذه التمويلات منخفضة، وهو ما يضعف الحافز لدى العاملين فيها.

ولفت التقرير إلى أن محاولات الحصول على دعم من الجماعات المحلية تصطدم في الغالب باعتبارات سياسية أو اقتصادية، وحتى في حال القبول، يكون الدعم عينيا وليس ماليا مباشرا، مشيرا أن عدد من الجمعيات أعربت عن حاجتها إلى تغيير وضعها القانوني المالي من أجل الحصول على “المعرف الموحد للمقاولة” لتسهيل معاملاتها المالية والإدارية.

ورصد التقرير تحديات إضافية مرتبطة بالتنسيق بين الفاعلين وبناء التحالفات، موضحا أن غياب إطار قانوني ينظم التحالفات بين مختلف الأطراف، ووجود الخلافات سياسية أو شخصية، غالبا ما يعطلان هذه المبادرات، مشيرا أن  تجارب شهدت نجاحا نسبيا، مثل تحالف جمعيات ونشطاء في فكيك لحماية القصور التاريخية، حيث تمكنوا من جلب تمويل من الاتحاد الأوروبي، أو شراكات في طاطا للحفاظ على الطابع البيئي للواحة.

كما سلط التقرير الضوء على تجربة نسائية بارزة في فكيك، حيث نسقت ناشطات مع نقابات وأحزاب ومنظمات دولية للتحسيس بخطر خوصصة المياه، مستندات إلى الدور المركزي للنساء في تدبير المياه بالواحات، وهو التحالف الذي ساهم في جلب تمويلات وتعزيز الترافع، لكنه واجه لاحقا صعوبات في التنفيذ وغياب متابعة جدية من بعض الأطراف السياسية.

وبالرغم من بعض النجاحات، خلص التقرير إلى أن هذه التحالفات غالبا ما تصطدم بإرهاق التنسيق أو بدعم شكلي من مؤسسات وأحزاب، ما يؤدي أحيانا إلى فقدان الثقة أو انسحاب الفاعلين المحليين، كما حدث في فكيك حيث قاطع السكان الانتخابات احتجاجا على غياب التزامات ملموسة.