مجتمع

الهجرة الجماعية سباحة بين الفنيدق وسبتة.. المغرب على خط مواجهة “أزمة بنيوية”

تشكل ظاهرة الهجرة السرية عبر السواحل الشمالية للمغرب، تحديا معقدا يتجاوز كونه حدثا عابرا، ليصبح أزمة بنيوية تتقاطع فيها عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية.

فخلال الأيام الأخيرة، عاد الشريط الحدودي البحري بين الفنيدق وسبتة المحتلة إلى الواجهة، مع تجدد ظاهرة الهجرة الجماعية سباحة، حيث تم في آخر عملية تسجيل نحو 300 محاولة للهجرة السرية في ظروف مناخية صعبة وضباب كثيف صعب عمليات المراقبة، وسط تدخل مكثف للبحرية الملكية المغربية والحرس المدني الإسباني لإنقاذ المهاجرين.

هذه المحاولات الجماعية، التي يسهل تنسيقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تضع السلطات المغربية والإسبانية أمام تحديات أمنية وإنسانية متجددة، في ظل ضغوط أوروبية مستمرة على المغرب للاضطلاع بدور “الدرع الأمني لأوروبا”.

في هذا السياق، يرى الناشط في مجال الهجرة بمدينة الفنيدق، أحمد بيوزان، أن هذه الإشكالية تتداخل فيها العوامل الداخلية المرتبطة بالواقع المغربي، مع عوامل خارجية تنبع من موقع المملكة الاستراتيجي كبوابة نحو أوروبا، ما يجعل مناطق شمال المغرب مراكز جذب رئيسية للمهاجرين، خصوصا من دول جنوب الصحراء التي تبحث عن الاستقرار والأمان.

وأوضح بيوزان في تصريح لجريدة “العمق”، أن استمرار ظاهرة الهجرة غير النظامية لدى الشباب المغربي، يعود إلى عوامل متعددة، يأتي في مقدمتها غياب برامج سياسية فعالة للحكومات المتعاقبة لمعالجة المشكلة، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر.

وتتداخل هذه الأسباب الاقتصادية مع عوامل اجتماعية عميقة مثل الفوارق الطبقية، وانتشار التسول والهدر المدرسي، إلى جانب تزايد حالات التفكك الأسري والطلاق في خلق بيئة من اليأس، وفق المتحدث.

ويشير بيوزان إلى أن هذه الظروف خلقت تربة خصبة لتنامي شبكات إجرامية متخصصة في تهريب المهاجرين، والتي تستغل الأرباح الهائلة من هذا النشاط المأساوي،.

وأشار إلى أن مدينة الفنيدق تأثرت بشدة بهذه الظاهرة، حيث يغامر العشرات من الشباب المغاربة وآخرون قادمون من دول مجاورة مثل الجزائر بالارتماء في البحر، الذي لا يفصلهم عن سبتة المحتلة سوى أمتار قليلة.

ويؤكد المتحدث أن التواصل المكثف عبر مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي يعزز من هذه الظاهرة، حيث يتم من خلالها تنسيق عمليات العبور كتحديد الوقت والأماكن.

وأضاف أن مشاركة مقاطع فيديو لشباب وقاصرين نجحوا في الوصول واستقبلوا في مراكز إيواء إسبانية، يشجع المزيد على المخاطرة بحياتهم، غير أن الواقع غالبا ما يكون مأساويا، حيث يلقى الكثيرون حتفهم في عرض البحر أو تلفظ جثثهم على الشواطئ.

ويعتبر بيوزان أن القوانين الحالية، سواء في المغرب أو إسبانيا، تساهم بشكل غير مباشر في استمرار الظاهرة، فمن جهة المغرب لا يجرم الهجرة غير النظامية، بينما توفر إسبانيا خدمات صحية واجتماعية للمهاجرين، وخاصة القاصرين، ما يشجع المزيد على محاولة العبور.

وفي حديثه عن المسؤولية، يرى يوزان أن الجميع مسؤول عن تفشي هذه الظاهرة السلبية، التي تسيء إلى سمعة المغرب في المحافل الدولية، ويستنكر تعامل السلطات مع المهاجرين الذين لم يرتكبوا أي جريمة، بل سعوا فقط لتحسين ظروف حياتهم، محذرا من أن الظاهرة تتحول إلى “أزمة بنيوية”.

وأرجع المسؤولية الكبرى إلى السياسات الحكومية الفاشلة، وغياب البرامج التنموية، منتقدا دور الإعلام العمومي الذي اعتبر أنه يدير ظهره لهذه الكوارث، ولا يخصص برامج رسمية لمناقشة هذه الظاهرة، مضيفا أن للأسرة دور كبير هي الاخرى في تفشي الكارثة، بسبب ضعف المصاحبة والنقاش مع الأبناء حول مخاطرها.

ويختتم بيوزان تصريحه بالتأكيد على أن المغرب وإسبانيا يضغطان على الاتحاد الأوروبي للحصول على دعم مالي ولوجستي لمكافحة الهجرة، في إطار اتفاقيات تبادل الأدوار، مشيرا إلى أن هذا الوضع جعل العديد من الدول الأوروبية تعتبر المغرب “الدرع الأمني لأوروبا”.

يُشار إلى أن مدينتا الفنيدق وسبتة تعيشان حالة من الاستنفار الأمني خلال الأيام الجارية، في ظل عودة مشاهد “الهجرة الجماعية” الذي أصبح موسميا بامتياز.

وفي الساعات الأولى من يوم الخميس المنصرم، تم العثور على جثة شاب تطواني يدعى محمد هشلوفي (20 سنة)، بعدما توفي غرقا أثناء محاولته السباحة نحو سبتة حاملا عجلة مطاطية صغيرة كوسيلة بدائية للطفو، غير أن رحلته انتهت بمأساة بعدما عُثر على جثته عالقة في شباك بحرية بسواحل سبتة.

وتشير مصادر مغربية وإسبانية، إلى أن استمرار محاولات الهجرة الجماعية سباحة يؤكد وجود تنسيق عبر مجموعات على تطبيق “واتساب”، حيث يتم استغلال الضباب الكثيف ليلا كفرصة للهروب.

وبحسب تقارير إسبانية، فإن سنة 2025 وحدها سجلت أزيد من 19 وفاة لمهاجرين شباب حاولوا العبور من سواحل الفنيدق نحو سبتة، بعضهم ظلت جثثهم عالقة في أعماق البحر لأسابيع طويلة قبل أن يتم العثور عليها.

وفي آخر تحرك أمني، نهاية يوليوز المنصرم، أوقفت السلطات المغربية 156 مرشحا للهجرة السرية بمدينة الفنيدق، من بينهم 24 جزائريا و59 قاصرا، تم نقلهم إلى مركز الإيواء بمرتيل، كما سلم الحرس المدني الإسباني 12 مهاجرا آخرين للسلطات المغربية، مع استمرار عمليات التسليم على دفعات.

وتشدد السلطات المغربية من تدابيرها الاستباقية، عبر منع وسائل النقل من إيصال المرشحين إلى المناطق الحدودية، وتوقيف المشتبه فيهم داخل الشوارع والأسواق، ثم نقلهم إلى مدن داخلية بعيدة عن الشمال لتفكيك تجمعاتهم ومنع أي محاولة جماعية منظمة.

وما يحدث اليوم يعيد إلى الأذهان ما جرى يوم 30 شتنبر 2024، حين حاول أكثر من 1500 شخص -أغلبهم قاصرون- اقتحام السياج الحدودي مع سبتة في مشهد عنيف، انتهى بمواجهات ومطاردات، تم خلالها توقيفهم وترحيلهم عبر حافلات إلى مدن أخرى.

* الصورة من الأرشيف