يحتفل المغاربة في 20 غشت من كل سنة بذكرى ثورة الملك والشعب، تلك الملحمة الخالدة التي جسدت أسمى معاني التلاحم بين العرش والشعب في مواجهة الإستعمار، والتي كانت انطلاقة حاسمة نحو تحرير الوطن واسترجاع سيادته، وإذا كانت هذه الثورة قد حملت في الماضي معاني الفداء والتضحية من أجل الإستقلال، فإنها في عهد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، قد أخذت بعدا جديدا، يتمثل في ثورة تنموية شاملة، تواجه تحديات العصر وتسعى لربح رهانات التقدم في عالم يتغير بسرعة مذهلة.
منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين سنة 1999، حرص جلالة الملك محمد السادس على إعطاء مفهوم الثورة بعدا جديدا، قوامه الإصلاح، والتنمية المستدامة، والعدالة الإجتماعية، فقد تحولت معركة التحرير التي خاضها الأجداد إلى معركة البناء والتحديث، معركة لا تقل أهمية، تتطلب تعبئة وطنية شاملة وإرادة جماعية قوية، لمواكبة التحولات الكبرى التي يعرفها العالم في مختلف المجالات.
ولعل أبرز تجليات هذه الثورة التنموية هو إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، والتي شكلت نقلة نوعية في مقاربة محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الإجتماعي، من خلال برامج تستهدف الإنسان المغربي في جوهر حياته اليومية، كما تم فتح أوراش كبرى في البنيات التحتية، من قبيل ميناء طنجة المتوسط، وتحديث شبكة الطرق السيارة، والقطار فائق السرعة “البراق”، بالإضافة إلى دعم الفلاحة والصناعة والطاقات المتجددة…، مما جعل المغرب اليوم يخطو بثبات نحو اقتصاد تنافسي ومندمج في الأسواق العالمية.
إن الثورة في عهد محمد السادس نصره الله، هي ثورة هادئة لكنها عميقة، تضع الإنسان في قلب السياسات العمومية، وتسعى لبناء مغرب متقدم، منفتح، ومتفاعل مع تحولات عالم اليوم تحكمه التكنولوجيا، الذكاء الإصطناعي، الرقمنة، والتغيرات المناخية، وهو ما يتطلب رؤية استراتيجية بعيدة المدى، وقد حرص جلالة الملك على بلورتها من خلال النموذج التنموي الجديد، الذي يهدف إلى جعل المغرب ضمن الدول الصاعدة، وتعزيز كرامة المواطن وحقوقه.
وفي هذا السياق، لا يمكن الحديث عن ثورة التنمية دون الإشارة إلى الأهمية القصوى التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لقطاعات التعليم، الصحة، والتكوين المهني، باعتبارها ركائز أساسية لأي تقدم حقيقي.
كما أن المغرب يواصل تعزيز حضوره القاري والدولي، عبر سياسة خارجية نشطة، تقوم على الشراكة والتعاون جنوب – جنوب، وعلى الدفاع عن القضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية.
وفي الأخير، يمكن القول إن ثورة الملك والشعب اليوم ليست فقط ذكرى تاريخية نستحضرها باعتزاز، بل هي مشروع مستمر ومتجدد، يعيش فينا ومعنا، ويستلزم منا جميعا، كمواطنين، الإنخراط في معركة التنمية، والإبتكار، والعمل الجاد، من أجل مغرب قوي، عادل، ومتقدم في عالم لا ينتظر المتأخرين.