لطالما اعتُبر المغرب منارة للاستقرار في شمال أفريقيا، ولكن لضمان مكانته في اقتصاد عالمي تنافسي، يجب عليه تسريع وتيرة الإصلاحات في الحوكمة، والصناعة، والابتكار. فمن خلال استثمارات استراتيجية وتحولات سياسية جريئة، يمكن للمملكة أن تطلق العنان لنمو غير مسبوق، لكن نافذة الفرصة للتحرك تضيق مع كل تأخير في الإصلاحات.
وعلى الرغم من نمو الاقتصاد المغربي بمعدل ثابت يتراوح بين 3% و 4% سنوياً، إلا أن هذا المعدل غير كافٍ لاستيعاب معدل بطالة الشباب الذي يفوق 20%، أو لمنافسة نظراء المغرب الإقليميين. ومع ذلك، فإن مزايا المملكة، كالقرب من أوروبا، وإمكانات الطاقة المتجددة الهائلة، ووجود سكان شباب على دراية بالتكنولوجيا، تؤهلها لتحقيق تحول نوعي.
1. الحوكمة: اللامركزية والكفاءة
يجب على المملكة أن تحتذي بالنموذج الفيدرالي الألماني، من خلال منح الجهات مزيداً من الاستقلال المالي. وبهذا، يمكن للمغرب تحفيز ريادة الأعمال المحلية وجذب الاستثمار الأجنبي. حيث تشير دراسة للبنك الدولي إلى أن اللامركزية يمكن أن تعزز الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي بنسبة 15% خلال عقد واحد فقط. ويستوجب هذا التوجه إنشاء خمس مناطق اقتصادية مستقلة أو أكثر، ذات أنظمة مبسطة، تستهدف جذب 10 مليارات دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر سنوياً بحلول عام 2030.
2. تنويع الاقتصاد: ما بعد الزراعة والسياحة
يمكن للمغرب أن يحتذي بالتحول الأخضر الدنماركي ويطوره بما يتناسب مع خصوصياته وآفاقه الواعدة. فتعتبر محطة “نور” للطاقة الشمسية مجرد بداية، ويمكن لتوسيع صادرات الهيدروجين الأخضر أن يضع المملكة كشريك أساسي لأوروبا في مجال الطاقة النظيفة. ويقدر المحللون أن هذا القطاع وحده يمكن أن يدر 8 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2035. ولتحقيق ذلك، يتعين التعاون وإبرام اتفاقيات مع دول الاتحاد الأوروبي لإنشاء خطوط أنابيب هيدروجين عابرة للبحر الأبيض المتوسط، مستفيداً من موارد المغرب الغنية بالطاقة الشمسية والرياح.
3. إحياء القطاع الخاص: من التكتلات إلى الشركات الناشئة
يمكن للمملكة أن تحتذي بنظام الشركات الناشئة كما هو الحال في سنغافورة. لا يزال القطاع الخاص في المغرب يهيمن عليه التكتلات العائلية. ومن خلال إنشاء صندوق رأس مال مغامر بقيمة 500 مليون دولار أو أكثر وتقديم حوافز ضريبية لشركات التكنولوجيا، يمكن للمملكة أن تنمي شركات وطنية عالية القيمة. وفي هذا الإطار، قد يتمكن المغرب من إدراج خمس شركات مغربية على الأقل في البورصات الدولية بحلول عام 2030، على غرار نموذج شركة “ناسبرز” الجنوب أفريقية.
مخاطر التأخير
إن التأخير أو عدم الإسراع في هذه الإنجازات قد ينعكس سلباً على الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد. فبدون إصلاحات أسرع، فإن المغرب يخاطر بالتخلف عن الركب في السباق العالمي على المواهب ورأس المال. لكن مع اتخاذ إجراءات حاسمة، يمكنه تحقيق أهداف واعدة وطفرة نوعية حقيقية:
– زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 50% بحلول عام 2035.
– خفض بطالة الشباب إلى خانة واحدة.
– أن تصبح المملكة من بين أفضل ثلاث وجهات للاستثمار التكنولوجي في أفريقيا.
لقد وضعت القيادة العليا للمغرب أسساً قوية من خلال “رؤية 2030″، وتطوير البنية التحتية، والاستثمارات في الطاقة المتجددة. الآن، يجب على الحكومة الانتقال من التقدم التدريجي إلى التغيير التحويلي. العالم يراقب، وعلى المسؤولين التحلي بالمثابرة والانضباط والخروج من المصالح الشخصية الضيقة لخدمة مصلحة الأمة المغربية ككل؛ لأن الحفاظ على الوضع الراهن ومشاهدة أفضل مواهب البلاد تهاجر إلى أوروبا قد يفاقم الأوضاع. والعكس سيجعل من المملكة النمر الاقتصادي القادم في أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط.