تواصل مدارس الفرصة الثانية – الجيل الجديد منح الشباب المنقطعين أو المفصولين عن الدراسة فرصة ثمينة للعودة إلى التعلم واكتساب مهارات مهنية تؤهلهم للاندماج في سوق الشغل، عبر التعليم الأساسي والتكوين المهني في حرف متنوعة مثل الكهرباء والترصيص، مع دعم نفسي واجتماعي وتدريب على مهارات التواصل والبحث عن فرص العمل. كما تستقبل شبكة هذه المراكز مئات الشباب الأجانب من المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، لضمان إدماجهم في المجتمع المغربي وتوفير فرص متكافئة للنجاح.
وتضم بلادنا في كل الجهات مئات مدارس الفرصة الثانية الجيل الجديد، تقدم شعباً مهنية تقليدية وحديثة تشمل المهن الخضراء كالطاقات المتجددة والاقتصاد الدائري والرقمنة، إضافة إلى التجارة الإلكترونية وإصلاح الحواسيب وتقنيات السمعي البصري وصناعة الحلويات والحلاقة، بما يضمن اكتساب الشباب مهارات عملية تؤهلهم للاندماج السريع في سوق الشغل. وتعد برامج هذه المدارس فرصة ثانية للشباب المنقطعين عن الدراسة أو غير الملتحقين بالتعليم النظامي، حيث توفر بيئة تعليمية مرنة لاستكمال مسارهم الدراسي والمهني.
وتعد هذه المراكز أيضاً فرصة ثانية لاستغلال البنيات التحتية المدرسية المهجورة بعد إعادة تأهيلها وتجهيزها، مع اعتماد شراكات مع القطاع الخاص والجماعات الترابية والمنظمات غير الحكومية لتوفير التداريب وفرص الشغل، وتعزيز مشاريع الشباب الذاتية. وتظهر المدارس نتائج إيجابية على المستوى الاجتماعي، إذ تعج بنماذج تم انتشالها من بؤر الإدمان والانحراف، ونجحت في الاندماج في التعليم النظامي أو سوق الشغل، مما يؤكد نجاح هذا النموذج التربوي المطلوب دعمه سياسيا واقتصاديا وإعلاميا.
وهذا النجاح يبرز دور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والوزارة الوصية في دعم هذه المدارس، وفق المشروع 5 من القانون الإطار 51.17 الذي يهدف إلى تأمين التمدرس الاستدراكي وإعادة إدماج الأطفال والشباب المنقطعين عن الدراسة في التعليم النظامي أو برامج التربية غير النظامية أو الدعم التربوي، التي ترمي إلى خفض الانقطاع عن الدراسة بحوالي 40 بالمائة، من خلال ضمان فرص تعليمية ومهنية متكاملة لكل فئة مستهدفة.
وتسير هذه المدارس أكثر من 400 جمعية مدنية تشغل أكثر من 2000 معلم ومعلمة، مما يضمن جودة التعليم والتكوين، من خلال تأمين المتابعة النفسية والاجتماعية للمتعلمين لتحقيق أهداف عمق الفرصة الثانية، والنموذج هنا يتجلى في تجربة الهيئة المغربية للتربية والتنمية التي كشفت مؤخرا عن نجاح أزيد من 250 تلميذاً في الامتحانات الإشهادية أحرار خلال الموسم المنصرم، حيث نجح 232 من أصل 339 في الثالثة إعدادي و18 من أصل 30 مترشحا في الثانية بكالوريا، ما يعكس فعالية البرامج التعليمية والتكوينية للهيئة التي تشغل أطرا كفأة سواء في التسيير الإداري وكذلك في التأطير التربوي والمهني.
جدير بالذكر أن هذه الهيئة المعروفة اختصارا بـ”CMED”، تدبر مراكز كبيرة بمدن البيضاء والرباط والقنيطرة وبنسليمان، تضم شعب جديدة من قبيل مهن السيارات ومهن الرياضة والفندقة ونجارة الألومنيوم والحلاقة، فضلا عن إطلاقها شعب متفرقة من بينها تخصص السمعي البصري والطاقة والبيئية والاقتصاد الدائري ورعاية المسنين في مركزين جديدين بمدينة سلا.
وختامًا، تمثل مدارس الفرصة الثانية – الجيل الجديد نموذجًا تربويًا متطورًا يجمع بين التمدرس الاستدراكي وسياسة المدرسة الدامجة، حيث تعيد بناء المعرفة للشباب المنقطعين أو المفصولين عن الدراسة، وتدمجهم في بيئة تعليمية شاملة تُنمّي مهاراتهم الاجتماعية والمهنية وتحدّ من الهدر المدرسي.
(*) صحفي وباحث في التنمية المستدامة