آيت أوسى آسا
مجتمع

ملف أراضي أيتوسى.. نضال سلمي تحت سقف الثوابت الوطنية وتنديد باستغلاله خارجيا

في قلب الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، حيث تتجذر روابط البيعة وتتأصل قيم الولاء للوطن، تبرز قصة ملف أراضي قبائل أيتوسى بإقليم أسا الزاك كدليل ساطع على حيوية المجتمع المغربي ونضجه. إنها ليست مجرد قضية عقارية، بل هي تجسيد حي لقدرة المواطنين على التعبير عن مطالبهم المشروعة ضمن سيادة القانون والمؤسسات الوطنية، وفي الوقت نفسه، هي شهادة دامغة على فشل خصوم الوحدة الترابية للمملكة المغربية في استغلال القضايا الاجتماعية لخدمة أجندتهم الانفصالية التي ولى زمنها.

بدأت فصول القصة حين باشرت المصالح الإدارية المختصة إجراءات التحفيظ العقاري لبعض الأراضي، في خطوة تندرج ضمن الاستراتيجية التنموية الشاملة التي تنهجها الدولة المغربية في أقاليمها الجنوبية. هذه الرؤية تهدف إلى تعبئة العقار وإدراجه في الدورة الاقتصادية لخلق مشاريع استثمارية تعود بالخير العميم على الساكنة المحلية وتوفر فرص الشغل للشباب. غير أن هذه الإجراءات الإدارية قوبلت ببعض الملاحظات من قبل أبناء قبائل أيتوسى، الذين رأوا فيها مساسا بحقوقهم العرفية والتاريخية، وطالبوا بضرورة إشراكهم في أي عملية تخص أراضي أجدادهم.

حراك حقوقي ضمن سيادة القانون

وفي هذا السياق، قال الدكتور دداي بيبوط، وهو منتخب جماعي وعضو تنسيقية الأطر للاستشارة القانونية والتتبع والمواكبة، إن قبائل أيتوسى تندرج ضمن المكونات الإثنية التي لا تزال محافظة على ماضيها القبلي ومؤسساته العرفية التقليدية. فرغم مظاهر التمدن الهائل الذي شهدته مختلف مكونات القبيلة منذ الاستقلال، وانخراط أبنائها في المؤسسات المدنية والعسكرية، ظلت وفية لتاريخها تغترف منه المبادئ ومنهجية العمل مهما ضاقت بها الأحوال أو هددت في كينونتها أو وجودها، وتعتبر الأرض عماد وزاد الإنسان الأيتوسي يحملها معه أينما حل وارتحل ويتعبأ تلقائيا كلما نادته ليرفع تحديا حل بها أو سقما ألم بها، وفق تعبيره.

وتابع بيبوط ضمن تصريح لجريدة “العمق”: “وقد ظلت هذه الأرض محاطة باهتمام بالغ، حيث يختار لها خيرة الرجال وأرشدهم وأقواهم شكيمة للاهتمام بشؤونها، كلما حلت نازلة بها، إذ تجسد لجان الأرض لقبائل أيتوسى هذا الأمر في أيامنا هاته وتشكل تنظيما قبليا عرفيا يجمع نواب ووكلاء كل أعراش القبائل لتسيير شؤون الأرض والدفاع عنها ضد أي طارئ او زائر غير مرحب به، وقد جرى تجديد عضوية الكثير منهم بعد 10غشت2022 استجابة للهبة الكبيرة لقبائل أيتوسى في مواجهة إدارة أملاك الدولة التي طرحت مطالب تحفيظ كيدية قدرت مساحة أحدها ب 300.000 هكتار، ثم تلته مطالب أخرى ب260.000  وغيرها من الملفات التي ما زالت قبائل ايتوسى عاقدة العزم على التصدي لها بطرق قانونية وأشكال احتجاجية سلمية حضارية”.

ولأن الامر كان جللا حينها، يضيف المتحدث، فقد تجند إلى جانب الآباء من لجان الأرض مجموعة من الشباب الأطر من أبناء القبيلة من كل التخصصات العلمية والقانونية والهندسية والأنثروبولجية والإنسانية، لمواكبتهم وتقديم المشورة لهم لرفع تحدي تقديم عشرات التعرضات المصحوبة بآلاف الوثائق والاستشارات القانونية والحقوقية، تحت لواء تنسيقية الأطر للاستشارة القانونية والتتبع والمواكبة.

ونظمت على إثر ذلك، أول وقفة حقوقية أمام عمالة أسا الزاك يوم 10غشت2022 ، حيث قدمت جوابا كافيا لمن يريد العبث بأرض الأجداد تحت عناوين عريضة كالاستثمار والحيازة الهادئة والمستمرة، تلتها وقفة في مركز جماعة المحبس القروية التي ضمت هذه المطالب أرضها وذلك يوم 4 شتنبر 2022، ثم أشرفنا على تنظيم تعرض ميداني ضد تحديد أراضينا في اليوم الموالي، بالإضافة الى تنظيم أطول تعرض ميداني عند نقطتي التحديد في مطلب التحفيظ الذي هم 300 ألف هكتار  بمنطقتي “مزيريكة” و”فيظة السدرة”، على مدى شهرين، ووقفة لبيرات الشهيرة في نونبر  من سنة 2022، تلتها وقفات وتعرضات أخرى طيلة سنة 2023 و2024 همت أساسا التعرض على مشروع “المنتزه الوطني درعة واركزيز لبطانة” الذي يضم أراضي لقبائل أيتوسى، في كل من جماعات عوينة إيغمان وعوينة لهنا ولبيرات.

وقال  دداي بيبوط  إن هذه الفترة عرفت عشرات الاجتماعات التي ضمت لجان الأرض والتنسيقية لتنظيم الحراك وتأطيره قانونيا ومؤسساتيا ضد أي اختراق أو تشويه، نظم خلالها أكثر من زيارة حقوقية ومطلبية للعاصمة الرباط همت في أولها بعض الأحزاب السياسية ومؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، واختتمت في يونيو الأخير بزيارة وزراء ومؤسستي المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان لرفع اللبس عن مطالب قبائل أيتوسى في الدفاع عن ارضها ضد المغرضين وتأكيد تمسكها بها.

واستطرد قائلا: “خلال الثلاث سنوات الماضية حافظت قبائل أيتوسى على رزنامة نضالية تتخذ من مناسبات مهمة لهذه القبائل موعدا لها، أولها مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف الذي يعتبر مناسبة مهمة تخلدها هذه القبائل وتلتقي فيها في مدينة أسا عاصمتها الروحية لتنظيم “ملكى الأرض” لتجديد التعبئة وتمتين العهد للدفاع عن ارض الأجداد.

وقد نظمت هذه السنة النسخة الثالثة من ملكى الأرض، حيث التقت لجان الأرض والتنسيقية مع قبائل أيتوسى الإحدى عشر لتقديم حصيلة العمل والنضال طيلة ثلاث سنوات بدءا من ملف تقسيم الأرض وقضية التعرضات وقضايا أخرى همت المنازعات القضائية مع إدارة المحافظة العقارية. وقد كانت النتائج باهرة باعتراف شباب وشيوخ كل القبائل التي اجتمعنا بها، كما تجدد العهد للاستمرار في التعبئة للدفاع عن الأرض ورفع التحدي بالمطالبة بالتحفيظ الجماعي لأراضي هذه القبائل المجاهدة إسوة بإخوانها المغاربة في باقي ربوع المملكة.

تصريحات دداي بيبوط تظهر إيمان أصحاب الأرض الراسخ بدولة الحق والقانون، إذ اختار أبناء أيتوسى مسار الحوار والتعبير السلمي للدفاع عن وجهة نظرهم. ومن خلال هياكل مدنية منظمة مثل لجان الأرض وتنسيقية الأطر، رفعوا مطالبهم بشكل حضاري، مؤطرين حراكهم في إطار القانون. كانت وقفاتهم السلمية وتعرضاتهم القانونية دليلا على ثقتهم المطلقة في عدالة مؤسسات بلادهم، مؤكدين أن هدفهم هو الوصول إلى حل عادل ومنصف يحفظ حقوقهم ويخدم في الوقت ذاته المصلحة العليا للوطن وأهدافه التنموية الكبرى.

لكن في الوقت الذي كان فيه الملف يسير في مساره الطبيعي كخلاف إداري يمكن حله بالحوار والتفاهم داخل البيت المغربي الواحد، حاول تجار الأوهام وأعداء الوحدة الترابية استغلال الموقف بشكل بائس. وفي مناورة دعائية مفضوحة، ظهر صوت نشاز محسوب على جبهة البوليساريو الانفصالية في إحدى جلسات لجنة الأربعة والعشرين بالأمم المتحدة، مدعيا التحدث باسم قبائل أيتوسى ومحاولا تسييس القضية وتصويرها كنزاع سياسي، في محاولة يائسة لتشويه صورة المغرب الحقوقية واختطاف قضية محلية لخدمة أطروحة انفصالية لم تعد تقنع أحدا.

محاولات الاستغلال الانفصالية وصفعة الرد من أبناء القبائل

لم يتأخر الرد على “العصابة”، وجاء قويا ومزلزلا من قلب أسا الزاك، ومن الممثلين الحقيقيين للقبائل. فقد سارعت تنسيقية الأطر ولجان الأرض إلى إصدار بيان حاسم، كان بمثابة صفعة مدوية للانفصاليين ومن يقف خلفهم. في هذا البيان، نفت القبائل أي صلة تنظيمية أو فكرية بالمتحدث في نيويورك، مؤكدة أنه لا يمثل إلا نفسه. والأهم من ذلك، جددت قبائل أيتوسى تشبثها الراسخ بالوحدة الترابية للمملكة المغربية من طنجة إلى الكويرة، وولاءها الثابت للعرش العلوي المجيد، مشددة على أن قضيتها حقوقية ومدنية بحتة، وأن حلها لن يكون إلا داخل المغرب وتحت سيادته وقوانينه.

وفي هذا الصدد، أكد الناشط الحقوقي عبد الوهاب الكاين، أن مشاركة شابين في أشغال اللجنة 24، غير ذات موضوع ويسيء لهما، لأسباب تتعلق بإقحامهما في مواضيع يجهلون غايتها والأطراف التي تقف وراء طرحها، وإن كان القصد يكمن في محاولة لتسوية أوضاع هجرة غير نظامية بالولايات المتحدة الامريكية.

وقال الحقوقي ذاته في تصريح لجريدة “العمق” إن محاولة فرض قضية تتعلق بملف عقاري داخل حدود المملكة المغربية، وينظر فيه القضاء في الوقت الحالي، يعد جهلا بالقانون واستغلال بشع لقضايا وتظلمات هؤلاء الأشخاص في محافل دولية لا علاقة لها بموضوع الأرض، لأن لجنة إنهاء الاستعمار، لا انظر في القضايا الداخلية للبلدان، بقدر تدرس القضايا المتعلقة بحالات وأماكن ما زالت ترزح تحت نير الاستعمار، وهو أمر لا ينطبق على المملكة المغربية في حالة الأقاليم الجنوبية، بما يشمل المناطق الحدودية ك”اسا” و”الزاك” و”لبطانة” و”لحمادة”.

وأضاف: “وقد وثقنا كمدافعين عن حقوق الانسان، حملات تضليل بشأن ملف تلك الأراضي ومحاولة إلصاق تهم الانفصال ببعض مكونات هذا الحراك، لفرملة تحركاته وأنشطته المدنية السلمية، التي لم نسجل بصددها أي انزلاق يهدد سلامة الأشخاص أو الممتلكات، أو محاولة اللعب بالأمن والاستقرار بالمنطقة، بالإضافة إلى التجاوب الإيجابي للسلطات المحلية وتفهمها لمطالب الحراك، بل واستقبلت بعض قياداته لفتح حوار شفاف حول قضيتهم، تكريسا لمبادئ سيادة القانون ودول الحق والقانون وضرورة إشراك مختلف مكونات الساكنة في مسار بناء رؤية استراتيجية لمستقبل أمن للمنطقة.

وحذر المتحدث بصفته ممثلا لأحد مكونات الفضاء المدني بالأقاليم الجنوبية من مغبة الزج بقضايا مدنية محلية في معترك السياسوية العميقة، التي لن تزيد الوضع إلا تعقيدا، عوض الإسهام بجد في تحسين عيش الساكنة وصون كرامتهم وضمان حقهم في المشاركة في تدبير الشأن العام، وتحصين مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتدبير النزاعات المحلية بطرق سلمية عوض اللجوء المغرض لأساليب التخوين والشيطنة.

 تأكيد الثوابت الوطنية وتقديم رؤية تنموية شاملة

وفي مسار القضية برز حدث محوري لم يكن مجرد محطة احتجاجية، بل شكل وثيقة سياسية وأخلاقية دامغة، كشفت عن عمق الوعي الوطني لأبناء الصحراء المغربية وأحبطت بشكل قاطع محاولات خصوم الوحدة الترابية الرامية إلى استغلال مطالب اجتماعية مشروعة. والمتمثل في إصدار “بيان تخليد الذكرى الثانية لحراك قبائل أيتوسى حول الأرض وصيانة العرض” بتاريخ العاشر من غشت 2024، والذي قدم خارطة طريق واضحة لحل الخلاف في إطار الثوابت الوطنية الراسخة.

هذا البيان لم يكتف برفض الإجراءات الإدارية، بل قدم قائمة متكاملة من المطالب التي تعكس رؤية شاملة للتنمية والحكامة. فقد طالبت القبائل في صلب الوثيقة برفض وإلغاء تحفيظ مساحة مئة وخمسين ألف هكتار تمت خلال فترة الحجر الصحي، ورفض إقامة ما يسمى مشروع المنتزه الطبيعي على أراضيها. وفي خطوة تظهر الثقة المطلقة في مؤسسات الدولة، نص البيان صراحة في بنده الخامس على طلب التحكيم الملكي السامي في هذا الملف، وهو ما يعد أسمى درجات الاحتكام إلى رمز وحدة الأمة وضامن حقوق مواطنيها.

ولم تقف المطالب عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل شؤون الحكامة المحلية، حيث دعت الوثيقة إلى فتح حوار عاجل مع الحكومة، كما تضمنت المطالب دعوات لمحاسبة المسؤولين عن هدر المال العام والكشف عن مصير الميزانيات المرصودة للتنمية، ومتابعة من أسمتهم “مافيا العقار” أمام القضاء، في دليل على انخراطهم الكامل في جهود تخليق الحياة العامة التي يقودها المغرب.

وفي هذا الشأن أوضح الدكتور الحسين احريش، برلماني سابق وقيادي بتنسيقية الأطر للاستشارة القانونية والتتبع والمواكبة، أن اللجوء إلى الاحتجاج كان ضرورة لمواجهة رغبة إدارة أملاك الدولة في وضع اليد على أراضي قبائلنا دون استشارتنا والاستماع إلى تطلعات مكوناتها ذات الصلة بالتنمية وخلق فرص الشغل ودعم برامج تنمية بشرية حقيقية تقطع مع أساليب التدبير الكلاسيكية التي ساهمت في تفقير المنطقة وعزلها عن باقي جهود التنمية في مختلف جهات المغرب.

وقال ضمن تصريح ادلى به لجريدة “العمق” إن قيادة الحراك استفرغت الجهد الممكن من أجل ترشيد الاحتجاجات وعدم السماح بتجاوزها لسقف القانون من خلال سن عدة قواعد أصبحت بمثابة ميثاق، وقد تجلت في الامتثال الفوري لقرارات المنع التي واجهت بها السلطات عدة دعوات للاحتجاج.

وأضاف: “لقد أكدنا كقيادة باستمرار على أن دفاعنا عن ملكية القبائل للأراضي لا يخدش سيادة الدولة على الارض، فالملكية للقبيلة والسيادة للدولة، وحرصنا باستمرار على الاعلان قولا وممارسة على أن الحراك يشتغل تحت سقف ثوابت المملكة المتمثلة في الاسلام والملكية والوحدة الترابية والخيار الديمقراطي.

ونحن نعتقد أن التعاطي الإيجابي مؤخرا للسلطات مع الاحتجاجات رسالة إيجابية سرعان ما ردت عليها التنسيقية ولجان الأرض بتنظيم عدة لقاءات تواصلية قصد التعبئة الإيجابية حول جدوى المسار القانوني والقضائي والمؤسساتي، تلاها إيداع طلب رسمي لعقد لقاء مع وزير الداخلية،

علما أن لجان الأرض وتنسيقية الأطر تملك تصورا لحل الملف ينسجم مع المنظومة القانونية لتدبير العقار في المغرب ويحفظ للدولة حقها في تشجيع الاستثمار، على حد قوله.

وفي علاقة بتواتر دعوات إلصاق تهمة الانفصال التي يحاول البعض الصاقها تارة عبر منشورات مجهولة وتارة عبر بيانات او اجتماعات مفبركة، أكد أحريش، على أن الجهات المصدرة لهذه الأحكام، كانت في خلاف في غالبيتها مع أعضاء لجان الأرض والتنسيقية

وأوضح أن ترويج هذه الأسطوانة من التهم تسيء إلى مؤسسات الدولة وسمعتها وإلى المجهودات المبذولة في الملف، ففي الوقت الذي يتقوى موقف المغرب خارجيا وتتعزز الجبهة الداخلية نجد بعض الأصوات الشاردة تشوش على هذا المسار اعتقادا منها أنها من جهة تسيء للحراك، ومن جهة أخرى تقدم خدمة للدولة والحال أنها تقوم بفعل العكس.

وأشار المتحدث إلى أن المنطق يقضي أن يخاطب المجتمع أبناءه الشاردين إن وجدوا وأن يعيدهم إلى جادة الصواب، لا أن يستهدف ثلة من الفاعلين السياسيين مجموعة أخرى من خيرة الأطر الوطنية وقدماء المحاربين، من أجل مصالحهم الضيقة ويتم إلصاق تهم واهية بهم ودفعهم كل مرة للرد وإبعاد التهمة عنهم، بدل استثمار الجهود في البناء والتنمية والحوار والمشاركة المجتمعية الفعالة.

وختم احريش تصريحه بالقول: “إن الاستمرار في كيل التهم بالانفصال للجان الأرض وتنسيقية الأطر لم يعد ممكنا السكوت عليه، وسنذهب فيه إلى أبعد الحدود لوضع حد لهذه المهزلة فكل شيء يقبل المساس الا المواطنة”.