مجتمع

فوضى الطاكسيات بالمغرب.. تجاوزات السائقين تشوه صورة النقل وتغضب المواطنين والسياح

تشهد عدة مدن مغربية في الآونة الأخيرة موجة من الجدل والاستياء بسبب سلوكيات عدد من سائقي سيارات الأجرة، الذين باتوا يرفضون في كثير من الأحيان نقل الركاب إلى وجهاتهم، أو يفرضون تسعيرات مبالغ فيها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالسياح الأجانب أو بالمناطق البعيدة.

ويواجه المواطنون، بشكل يومي، هذا النوع من التصرفات التي وصفها حقوقيون بغير المهنية، حيث يتذرع بعض السائقين بـ”الازدحام” أو “قلة الزبائن في الاتجاه المعاكس” لتبرير رفضهم نقل الزبائن نحو وجهات معينة.

في المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش وأكادير، تتحول هذه الظاهرة إلى مشكل يومي، خصوصا خلال أوقات الذروة أو عند التنقل نحو الأحياء الشعبية والضواحي، حيث تصبح سيارات الأجرة مصدر توتر بدل أن تكون وسيلة نقل ميسرة.

فوضى في التسعيرة وغياب المراقبة

رغم أن تسعيرة سيارات الأجرة مؤطرة بقوانين وطنية وقرارات رسمية، إلا أن عددا من السائقين يفرضون مبالغ إضافية دون وجه حق، أو يمتنعون عن تشغيل العداد. ويرى متابعون أن غياب المراقبة الصارمة وضعف تدخل السلطات المحلية ساهم في استفحال هذه الظاهرة، التي تحولت إلى مظهر من مظاهر الفوضى التي يعاني منها القطاع منذ سنوات.

ويؤكد فاعلون مدنيون أن هذه التجاوزات لا تقتصر فقط على المواطنين المغاربة، بل تطال أيضا السياح الأجانب، مما يسيء إلى صورة المغرب كوجهة سياحية. وقد وثقت العديد من التدوينات والشهادات على مواقع التواصل الاجتماعي حالات فرض أسعار خيالية على السياح، تتجاوز أحيانا ثلاثة أو أربعة أضعاف التسعيرة القانونية.

ويرى متتبعون أن غياب المراقبة الصارمة من طرف السلطات المحلية، وضعف تطبيق العقوبات، من أبرز أسباب تفاقم هذه الظاهرة، مؤكدين أن قطاع سيارات الأجرة يعاني من فوضى مستمرة في غياب إصلاح هيكلي واضح يحدد حقوق وواجبات المهنيين والركاب.

إقرأ أيضا: صراع “الطاكسيات” والتطبيقات يشتعل.. المواطنون يطالبون بالتقنين ونقابات تهدد

ويطالب المواطنون بإدخال آليات حديثة لضبط القطاع، مثل تعميم العدادات الرقمية وربطها بأنظمة مراقبة فورية، إضافة إلى اعتماد تطبيقات النقل الذكية لضمان الشفافية في تحديد الأسعار والحد من الاستغلال.

رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، شدد على ضرورة إدخال إصلاحات هيكلية على قطاع سيارات الأجرة، تشمل التكوين المهني الإجباري للسائقين، واعتماد وسائل رقمية للمراقبة وتحديد التسعيرة. كما دعا إلى تعزيز الحضور الميداني للسلطات من أجل الحد من التجاوزات المتكررة، خاصة في المدن التي تستقطب السياح.

وأكد بوعزة الخراطي، أن سلوكيات بعض سائقي سيارات الأجرة تثير استياء متزايدا، خاصة في مدينة الدار البيضاء، حيث أصبحت هذه الممارسات موضوع انتقادات متكررة من طرف المواطنين والزوار.

دعوات لإصلاح القطاع وتأهيل المهنيين

وأوضح الخراطي، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن جزءا من المهنيين يرفضون نقل الركاب إلى وجهاتهم، وهو أمر مخالف للقانون ويضرب في العمق مبادئ المهنة. وأضاف أن هذا السلوك يضر بصورة المدن المغربية، خصوصا السياحية منها، مثل مراكش وأكادير، حيث يفترض أن تكون خدمة النقل واجهة حضارية تعكس احترام الزائر.

وأشار المتحدث إلى أن تعريفة سيارات الأجرة مؤطرة بقوانين وطنية وقرارات عاملية واضحة، ولا يحق لأي سائق أن يفرض سعرا خارج هذا الإطار. لكن، حسب قوله، يتم تجاوز هذه القوانين في عدة حالات، من خلال فرض تسعيرات عشوائية أو عدم تشغيل العداد في سيارات الأجرة الصغيرة، ما يفتح المجال أمام استغلال الركاب.

وأكد الخراطي أن هذه الفوضى تعكس ضعفا في آليات المراقبة، داعيا إلى تدخل حازم من السلطات الأمنية والرقابية، وتعزيز حضور دوريات المراقبة في محطات سيارات الأجرة والشوارع الكبرى، من أجل وضع حد لهذه التصرفات وضمان احترام القانون.

وشدد على أن إصلاح القطاع يمر أيضا عبر تأهيل مهني للسائقين، من خلال التكوين الإجباري والحصول على شهادة تؤهلهم لممارسة هذه المهنة الحيوية، مشيرا إلى أن السائق لا يمثل فقط وسيلة نقل، بل يلعب دورا مهما في تقديم صورة إيجابية عن البلاد.

وأكد الخراطي أن المغرب مقبل على احتضان تظاهرات رياضية كبرى خلال السنوات المقبلة، مما يفرض تحسين جودة خدمات النقل، خاصة سيارات الأجرة، لتكون في مستوى تطلعات المواطنين والزوار الأجانب.

القطاع يضم مهنيين نزهاء

في المقابل، يرى مصطفى الكيحل، الأمين العام للاتحاد الديمقراطي المغربي للشغل، أن الانتقادات الموجهة للقطاع لا تعكس الواقع العام، مؤكدا أن عددا كبيرا من السائقين يمارسون مهنتهم بكل التزام. واعتبر أن بعض الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تندرج في إطار حملات تشويه لا تساهم في حل المشاكل الحقيقية، داعيا إلى معالجة الخروقات عبر القنوات المؤسساتية بعيدا عن التعميم.

و اعتبر مصطفى الكيحل،  أن ما يتم تداوله من انتقادات لا يعكس الواقع العام للقطاع، معتبرا أن تلك الممارسات تبقى حالات معزولة يتحمل مسؤوليتها الأفراد المخالفون وحدهم.

وأوضح الكيحل، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن هناك جهات رسمية تقوم بواجب المراقبة والزجر، وتطبق القانون في حق كل من يثبت تجاوزه للضوابط، معتبرا أن التركيز الإعلامي على بعض الحالات المحدودة تحول إلى ما يشبه “حملة تشهير” ضد سائقي سيارات الأجرة الصغيرة.

وأضاف أن هذا التوجه يسيء إلى صورة القطاع وسمعة آلاف المهنيين الذين يمارسون عملهم بكل مسؤولية ويقدمون خدمات جيدة للمواطنين والسياح على حد سواء، مؤكدا أن ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي لا ينبغي اعتماده كمرجع عام للحكم على وضعية القطاع ككل.

وشدد الكيحل على أن معالجة الاختلالات يجب أن تمر عبر القنوات الرسمية، وليس من خلال التشهير، داعيا إلى التمييز بين السلوك الفردي وبين واقع قطاع يشكل مصدر عيش لعدد كبير من الأسر المغربية.

وختم حديثه بالتأكيد على أن السلطات المختصة تتوفر على الوسائل القانونية والتقنية لضبط أي تجاوز، داعيا إلى إنصاف المهنيين النزهاء وعدم تعميم الأحكام التي تسيء إلى مهنة عريقة وأساسية في حياة المواطنين.