في ظل التقليد الإداري القاضي بعدم إمكان مناقشة العامل أو الوالي في قراراتهما، باعتبارهما يتوفران على سلطة التعيين الملكي التي يستمدان منها سلطتهما، وبالتالي فقراراتهما تعتبر نافذة وغير قابلة للمناقشة أو المراجعة باعتبار أنهم يتمتعون بالسلطة التقديرية، بات من الضروري التفكير في إعداد نص قانوني يقضي بتعيين مستشارين للعمال والولاة، وذلك من أجل تقديم المشورة والاستشارة القانونية لهم في الأمور التي تستوجب الإجتهاد القانوني والقضائي والتحليل السياسي للأوضاع الإجتماعية، ويقترح أن يتم تعيين هؤلاء سواء من سلك الأطر العليا العاملين بالعمالات والأقاليم والولايات التابعين للميزانية العامة لوزارة الداخلية والذين راكموا خبرة إدارية لا يستهان بها بأقسام ومصالح الإدارة الترابية، والحاصلين على الشواهد العليا وبالأخص من الموظفين الحاصلين على شهادة الدكتوراه في تخصصي القانون أو الاقتصاد، أو من الموظفين العاملين بدواوين العمال والولاة.
وتوفر الولاة والعمال على السلطة التقديرية ترد عليه بعض الإستثناءات، خاصة في الظروف التي تتطلب إعمال الإجتهاد القانوني والتعمق في البحث والتقصي من أجل فهم جزئيات بعض الملفات الشائكة، حتى وإن كانت بعض القرارات ترتكز على مبدأ إبداء الرأي من طرف السلطة الإدارية المحلية أو التقارير أو المذكرات الإخبارية التي تزودهم بها هذه الأخيرة بناء على أوامر رئاسية، لكن خارج مجال القرارات الإدارية العادية، وفي ظل مبدأ مراقبة الملاءمة أو المشروعية – l’égalité تبقى المحاكم الإدارية هي صاحبة الإختصاص في الرقابة على قرارات العمال والولاة بسبب الشطط في استعمال السلطة أو فيما يخص العقود الإدارية الخاضعة للقانون الخاص، مثل عقود توريد الخدمات وعقود الصفقات العمومية.
وكما هو معلوم، فالولاة والعمال يتصرفون ويتخذون القرارات ويستمدون صلاحياتهم وفق ماهو منصوص عليه في الفصل 145 من الدستور المعدل سنة 2011، ووفق مقتضيات الظهير الشريف رقم 67-08-1 صادر في 27 من رجب 1429 (31 يوليو 2008) في شأن هيئة رجال السلطة، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5677 بتاريخ 27/10/2008، وكذلك المرسوم رقم 2.17.618 صادر في تاريخ 18 من ربيع الآخر 1440 ( 26 ديسمبر 2018 ) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري، وكذلك من باقي القوانين والنصوص التي تنظم مختلف مجالات تدخلهم، كما ويعينون بظهير شريف من طرف جلالة الملك باقتراح من وزير الداخلية وفق ماهو منصوص عليه في المادة الثالثة من الظهير الشريف المشار إليه أعلاه، وبالتالي فهم يمثلون جلالة الملك في الأقاليم والولايات التي يشرفون على تدبيرها، وبما أن العمال والولاة ليسوا كلهم من خريجي المعهد الملكي للإدارة الترابية ولا ينتمون كلهم لسلك رجال السلطة، باعتبار أنهم ينتمون لهيئات إدارية وتربوية ومهنية أخرى، مثل أساتذة التعليم العالي ومديري المؤسسات العمومية والأطباء والمهندسون ورجال الأعمال، وبالتالي لا يتمتعون كلهم بتكوين إداري منسجم ويتمثل مهام رجل السلطة برتبة عامل أو والي بنفس الخلفية الإدارية أو المعرفية والعلمية وكذلك الاجتماعية أو الإقتصادية، فإنه بات من المستحسن أن يتم تعيين مستشارين يعملون إلى جانبهم ويساعدونهم على اتخاذ القرارات بنوع من الاتزان والرصد العلمي والمعرفي.
ويقترح منح هؤلاء المستشارين المعينين للإضطلاع بهذه المهمة رتبة رئيس القسم وتمتيعهم بجميع الإمتيازات المادية والقانونية التي يتمتع بها رؤساء الأقسام داخل العمالات والأقاليم والولايات، وأن يخضعوا للتدريب على مهام الاستشارة في المدارس والمعاهد المتخصصة وكذلك لتكوين خاص بمراكز التكوين الإداري و المعهد الملكي للإدارة الترابية، ويضطلع هؤلاء بالمهام التي تتطلب نوعا من التدقيق القانوني أو الاقتصادي والبحث في النصوص القانونية من أجل العمل على ملاءمة أفعال وقرارات العمال والولاة للنصوص القانونية الجاري بها العمل وكذلك للظرفية والإقتصادية المحلية والدولية، خاصة أمام تعدد وتشعب مهام الولاة والعمال وتعدد مجالات تدخلهم وعدم توفرهم على الوقت الكافي للبحث والتدقيق في النصوص القانونية والاجتهادات القضائية والقيام بالتحليل السياسي أو الإقتصادي الصائب في الظروف التي تتطلب ذلك.
وفي القانون المقارن؛ وبالأخص في التجربة الإدارية الفرنسية، فإن العامل أو الوالي –Le Préfet محاط بديوان من المصالح يقوم بمساعدته في القيام بمهامه، مزود بمستشارين تقنيين وآخرين مكلفين بمهمة، يساعدون العامل في جميع الإختصاصات، هؤلاء المستشارين لديهم مؤهلات مختلفة و متعددة، منهم رجال القانون، وإداريون، أو خبراء في بعض المجالات مثل الأمن أو البيئة، أو المالية و الميزانية، وهكذا فديوان العامل هو الذي يقوم بمهام الإستشارة المختلفة، تبعا لموضوع الإستشارة المطلوبة، ومن جانب آخر يوجد منصب المستشار القانوني للعامل – Consultant Juridique du Préfet ، وهو خبير قانوني يقدم الإستشارة للعامل ويساعده على القيام بمهامه، خاصة فيما يخص مشروعية القرارات الإدارية وتدبير المنازعات، ويضمن الأمن القانوني للقرارات المتخذة من طرف العامل، ويمثل الدولة أمام المحاكم الإدارية.
وينهض هؤلاء المستشارون القانونيون والسياسيون كهيئة تمثل نوعا من مستشاري المدبرين الإداريين وهم العمال والولاة – Conseillers des managers administratifs بالمهام القانونية والسياسية التي تساعدهم على القيام بمهام التنسيق بين مختلف المصالح الإدارية الترابية اللامركزية واللاممركزة، والتي تدخل في اختصاصهم كما ينص على ذلك الميثاق الوطني للاتمركز الإداري؛ خاصة مهام الحفاظ على الأمن العمومي والنظام العام وضمان إنفاذ القانون، والتنمية الاقتصادية والإجتماعية، وممارسة الرقابة البعدية على قرارات رؤساء الجماعات الترابية، وضمان الممارسة الديمقراطية بين مختلف الهيئات والأحزاب السياسية بالإقليم أو الولاية، ويعتبر العامل والوالي ممثلان للدولة و للحكومة على مستوى الإقليم أو الولاية، ويسهران على التنفيذ الجيد والتطبيق الفعلي لقرارات وتوجيهات الإدارة المركزية والقيادة العليا للبلاد، ويستمد هذا الشكل من التدبير جوهره من القطاع الخاص، والذي يرتبط بتسيير المقاولات؛ حيث يتعين على المدبر – Manager أن يستحضر مصلحة المقاولة وأن يضعها فوق كل اعتبار، وهذا التحول هو ناتج عن طغيان مقاربة السوق الحرة ضدا على مقاربة الدولة الراعية، ويرتكز هذا الشكل الجديد من التدبير على إدارة الأعمال – Management ويندرج في إطار عقلنة – Rationalisation القرارات والموارد المادية والبشرية.
كما يمكن أن يساعد رأيهم الإستشاري على الإبتكار والتفكير في إيجاد حلول للمسائل المستعصية تنسجم مع الأطر القانونية ومع الظرفيات السياسية والإجتماعية والإقتصادية الوطنية والترابية، وتنفيذ استراتيجيات فعالة لتحسين نجاعة الأداء وفعالية التدبير العمومي، وهم يستحضرون التوجيهات السامية المبثوثة في الخطابات الملكية ودوريات وزير الداخلية ورئيس الحكومة بما يضمن انسجام قراراتهم مع السياسات العمومية للحكومة ومع التوجيهات الإستراتيجية لسياسة الدولة وكذلك القضايا والنصوص التي يتداول فيها ويصادق عليها المجلس الوزاري طبقا للفصل 49 من الدستور المعدل سنة 2011.