مولاي هشام.. مدافع عن الحرية حين ينتقد، مقاض حين ينتقد

يعد الحق في حرية الرأي والتعبير من أبرز ركائز حقوق الإنسان كما نصت عليها المواثيق الدولية، وعلى رأسها المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تكفل لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة، والحق في حرية التعبير عن هذه الآراء.
وفي السياق المغربي، ورغم التحديات، فإن النقاش العمومي يعرف فسحة ملحوظة تسمح بتعدد الأصوات والآراء، بما في ذلك النقد السياسي والإعلامي.
غير أن متابعة الأمير مولاي هشام العلوي للناشط رضا الطوجني تثير تساؤلات جدية حول مدى انسجام موقف الأمير مع مبادئ حرية التعبير التي دافع عنها مرارا في كتاباته وتصريحاته، خصوصا وأن ما صدر عن الطاوجني ـ رغم قسوته أحيانا ـ يندرج في خانة الرأي والتعبير، أكثر مما يندرج في خانة السب أو القذف.
في تعريف السب والقذف
السب في القانون الجنائي المغربي (المادة 442 وما يليها) يعرف بأنه كل تعبير يحط من الكرامة أو ينال من الاعتبار، من دون أن يتضمن إسناد واقعة معينة.
القذف (المادة 442 مكرر) يُعرف بأنه الادعاء أو الإسناد علنا لواقعة محددة من شأنها المساس بشرف أو اعتبار شخص أو هيئة، ما لم يثبت صحتها.
أما على المستوى الدولي، فالمعايير الأممية، خاصة تعليق اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على المادة 19، تشدد على أن القيود على التعبير يجب أن تكون استثنائية، محددة، وضرورية لحماية حقوق الغير أو النظام العام. كما تميز بوضوح بين النقد المشروع والخطاب التحريضي أو المضر.
وبالعودة إلى تصريحات الطاوجني، يظهر أن جوهرها تمثل في نقد خرجة إعلامية للأمير في الصحافة الإسبانية، واعتبارها غير متحفظة وضارة بصورة البلاد في ظرفية حساسة. هذا النقد ـ بصرف النظر عن بعض العبارات القاسية ـ لا يرقى في مجمله إلى مستوى السب أو القذف الصريح، بل يندرج ضمن حرية إبداء الرأي.
تناقض الأمير مع مبادئه المعلنة
الأمير مولاي هشام، الذي ظل يقدم نفسه كصوت مدافع عن الديمقراطية والحرية في المنطقة، وقع في تناقض واضح: إذ اختار مقاضاة مدون ومدافع عن حقوق الإنسان عبر عن رأيه، بدل الدخول في نقاش عمومي أو الرد بوسائل سلمية، وهو ما يتعارض مع القيم التي يرفعها.
فمن غير المقبول أن يطالب الأمير بالحق في نقد المؤسسات والسلطات علنا، بينما يضيق في المقابل على مواطن مغربي عبر عن رأيه فيه. هذا السلوك يعكس نزعة انتقائية في التعامل مع حرية التعبير: حرية له حين ينتقد، وتقييد للآخرين حين يردون عليه. إن هذا يعبر عن صورة سلطوية لشخصية طالما تغنت بالحرية والديمقراطية.
الخرجة الإعلامية غير الموفقة
الخرجة الإعلامية للأمير في الصحافة الإسبانية، التي تحدث فيها عن صراع مفترض بين الأجهزة المغربية، كانت في تقدير كثيرين غير موفقة. فهي صدرت في ظرفية إقليمية ودولية مشحونة، حيث تكالب خصوم المغرب الخارجيون، وسعت بعض الأصوات المشبوهة إلى تشويه صورة البلاد. في مثل هذه السياقات، كان الأجدر بشخصية تحمل صفة “الأمير” أن تتحلى بأقصى درجات التحفظ، لا أن تذكي أجواء الشك والريبة.
وبدل مراجعة خطابه أو التوقف عند حدود مسؤوليته الأدبية، اختار مولاي هشام نقل المعركة إلى المحاكم ضد مدون، وهو ما يطرح سؤالا مشروعا: أليس في ذلك مساس بمصداقية خطابه الحقوقي والديمقراطي؟
على سبيل الختم
القضية في جوهرها تتجاوز شخص الأمير أو الناشط، لتلامس سؤالا أعمق: كيف نوفق بين الحق في اللجوء إلى القضاء والحق في التعبير؟ الجواب يكمن في احترام الحدود الفاصلة بين النقد والسب، بين الرأي والاتهام. وبالنظر إلى النصوص الوطنية والمعايير الدولية، فإن ما صدر عن رضا الطاوجني يظل أقرب إلى التعبير عن رأي سياسي نقدي منه إلى السب أو القذف.
إن متابعة الأمير لمجرد انتقاد طال مواقفه، تعكس تناقضا صارخا مع المبادئ التي يرفعها هو نفسه. وإذا كان من دروس يمكن استخلاصها، فهو أن الدفاع عن حرية التعبير لا يكتمل إلا بقبول النقد حتى وإن كان قاسيا، وأن من يطالب بالحرية عليه أن يتسع صدره لها حين تمارس في مواجهته.
اترك تعليقاً