وجهة نظر

الاستثمار الكوانتي الترابي: مقاربة جديدة للتنمية الترابية

بلغ عدد سكان المغرب 36.83 مليون نسمة (منهم 148 ألف أجنبي) في 1 شتنبر 2024، أي بمعدل نمو سنوي وسطي 0.85% بين 2014 و2024، وهذا يبين تباطؤ واضح مقارنة بالعقود السابقة، حيث يتبين من خلال البنية الديموغرافية، أننا نتوفر على كتلة سكانية كبيرة ولكن بنمو متباطئ، وبالتالي هذا يفرض علينا التحول من منطق «التوسع بالكم» إلى «رفع الإنتاجية النوعية» في السياسات الترابية. أما على مستوى الخريطة المكانية للنشاط الاقتصادي، حيث تم 1.13 مليون مؤسسة… وهيمنة قطبين، فمن خلال خريطة المؤسسات الاقتصادية (خارج الفلاحة)، يتبين إحصاء 1,130,021 مؤسسة نشِطة خلال 2023/2024، حيث يظهر أن القطاع التجاري يحظى بنسبة 52% من مجموع الوحدات، والخدمات بنسبة ≈31%، والصناعة حوالي ≈14%، بالمقابل فالصناعة تستحوذ على ≈30% من الشغل الدائم (≈1.07 مليون منصب).
أما الميكرو-مؤسسات (<10 عمال) فهي تمثل 97% من النسيج وتستوعب 54% من اليد العاملة.

أما على مستوى التوزيع الجهوي فجهة الدار البيضاء-سطات، تحظى بنسبة 22.5% من المؤسسات (أكثر من 254 ألف) و≈33% من الشغل؛ تليها جهة الرباط-سلا-القنيطرة ب 13.6%، ومراكش-آسفي ب 12.2%. أما على مستوى حضري/قروي، فيتضح أن 86% حضري مقابل 14% قروي؛ حيث يلاحظ تصدر جهة مراكش-آسفي القرى بـ21% من مجموع المؤسسات القروية. وبالتالي فالدلالة الترابية، تبين أن التمركز الشديد للنشاط والشغل في محور الدارالبيضاء-الرباط يعني أن أي سياسة استثمارية «عادلة» يجب أن تُعالِج اللا-تماثل الشبكي بين الأقاليم كمفهوم كوانتي: عقد/عُرى بمعنى اتصال قوية مقابل عقد هامشية).أما على مستوى الفقر المتعدد الأبعاد، فيلاحظ تراجع وازن لكن بفوارق مجالية قائمة، وبالتالي فالخريطة المحدثة تُظهر تراجعًا وازنًا للفقر المتعدد الأبعاد مع استمرار تباينات حادة بين الجهات والعمالات والجماعات؛ وقد أتاحت قاعدة بيانات مفتوحة للقياس على مستوى محلي دقيق (تعليم، صحة، سكن/خدمات). سياسات الاستهداف الترابي التي كان لها أثر ملموس. وأخيرا القطاع غير المهيكل، فهو يشكل كتلة اقتصادية-اجتماعية ضخمة، حيث يتبين أن حوالي 2.03 مليون وحدة إنتاج غير مهيكل (UPI) في 2023 (أي بزيادة +353 ألفًا مقارنة بـ2001/2002)، منها 77.3% حضرية، وبخصوص التوزيع الجهوي، تحتل جهة الدار البيضاء-سطات ب 22.7% من الوحدات؛ حيث التجارة 47% من الأنشطة، مع صعود الخدمات إلى 28.3% والبناء إلى 11.6%.
وبالتالي فهذه الأرقام تعني أن إدماج القطاع غير المهيكل (خصوصًا تجارة التجزئة والخدمات الحضرية) هو رافعة استراتيجية وفورية لتوسيع الوعاء الجبائي وتحسين الإنتاجية.

إن دينامية الاقتصاد الكلي 2024–2026، تظهر تضخم منخفض مع نمو متسارع، حيث أبقى بنك المغرب السعر المرجعي عند 2.25% (شتنبر 2025) مع توقع نمو ب 4.6% في 2025 و4.4% في 2026 وتضخم ≈1% في 2025؛ واحتياطيات عملات أجنبية نحو 434.5 مليار درهم في 2026 (≈5.5 أشهر واردات). وبالتالي فتقارير بنك المغرب السنوية وبلاغ مارس 2025 تؤكد هدوء التضخم بعد ذروة 2022–2023 وتُشير إلى تحسن الحساب الجاري تدريجيًا. كما تشير إلى استمرار زخم قطاعات السياحة النقل والاتصالات وتوقعات نمو قوية 2025–2026.

ماذا يعني «الاستثمار الكوانتي الترابي»؟

إن مقاربة الاستثمار الكوانتي الترابي، مقاربة مبتكرة جدا، مستمدة مبادئها ومرتكزاتها من فيزياء الميكانيكا، وبالتالي فالاستثمار الكوانتي الترابي، يعني ننقل الاستثمار من اختيار «مشروع/مجال واحد» إلى حافظة احتمالات مترابطة Territorially-Entangled Portfolio تُصمَّم لتوليد أثر متعدد الوظائف في آنٍ واحد (تراكب)، وتُدار كسلاسل مشاريع متشابكة بآثار انتشارية بين الأقاليم (تشابك)، مع ضبط «تأثير المراقب» (تصميم السياسات) عبر مقاييس لحظية.

فلأحزمة الحضرية كثيفة الميكرو-مؤسسات، حيث يجب العمل على دعم تحوّل 50–100 ألف ميكرو-مؤسسة سنويًا إلى «صغرى رسمية» عبر حوافز ضريبية مصحوبة برقمنة فواتير ومدفوعات (مع التركيز في جهة الدار البيضاء-سطات، وجهة الرباط-سلا-القنيطرة، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة). ومنه فالهدف الأساسي هو رفع إنتاجية 97% من النسيج وخفض كلفة المعاملات. أما على مستوى أقاليم الفقر المتعدد المرتفع، فمشاريع بنية أساسية خفيفة وسريعة (مثلا، مراكز صحية-مدرسية ذكية، مياه/صرف، طرق قروية، إنترنت)، مرتبطة بالتشغيل المحلي عبر الصفقات الترابية. وبالتالي هذا سيساهم في تخفيض الفقر المتعدد ويحرك الاقتصاد المحلي ويحسن من جودة العيش. وأخيرا مناطق القرى ذات الكثافة المؤسسية القروية (مثلاً الصدارة القروية لمراكش-آسفي)، من خلال العمل على تحويل الأسواق الأسبوعية إلى «مناطق قيمة مضافة ريفية» مع سلاسل تبريد وتمويل أصغر مُؤمْكَن.

ب. ما هي «السلة الكوانتية» المقترحة لكل جهة؟

إن السلة الكوانتية تتجلى في أن مشروع واحد/عدة آثار، فمثلا، محطة شمسية-مائية ترابية صغيرة + مجمع حرفي ذكي + منصة تجارة رقمية محلية. سيكون لها آثار متعددة من خلال خلق وظائف مباشرة/غير مباشرة + خفض كلفة الطاقة للمقاولات الصغرى + رفع الدخل المحلي + تحسين مؤشرات الحرمان في آنٍ واحد.

وبالتالي فالمغرب يمتلك كتلة سكانية كبيرة ونسيجًا اقتصاديًا كثيف الميكرو-مؤسسات مع تمركز مجالي واضح وتراجع لافت للفقر المتعدد، لكن مع فوارق ترابية ممتدة. وبالتالي فإن تحويل هذه الصورة إلى قفزة نوعية يمر عبر «الاستثمار الكوانتي الترابي»، من خلال سلاسل مشاريع متشابكة تُصمَّم لتعظيم الأثر المتعدد في الوقت نفسه، وتقيس النجاح بمؤشرات ترابية دقيقة قابلة للمساءلة.