من الخسة إساءة البرلماني للمواطنين!

على عكس أولئك الذين يدفع بهم الجهل وضيق ذات اليد إلى بيع أصواتهم الانتخابية للمرشحين المفسدين، فإن معظم الناخبين المغاربة المتوفرين على قدر من النضج والوعي، ممن يقدرون القيمة الحقيقية للصوت الانتخابي، يحرصون دائما على عدم منح أصواتهم في الانتخابات التشريعية إلا لمن يرونهم جديرين بثقتهم، أولئك الذين يشكلون القدوة الحسنة، من حيث حسن الخلق والتحلي بقيم الصدق، الحفاظ على الأمانة، الاستقامة، النزاهة والقدرة على الدفاع عن حقوق المواطنات والمواطنين ومكتسباتهم، والترافع عن أهم القضايا التي تشغل بالهم…
لذلك ينبغي أن يكون البرلماني حريصا على احترام الآخرين بغض النظر عن مستوياتهم ومراكزهم، الالتزام بالقوانين، التمتع بالسمعة الطيبة، الأخلاق العالية، العدل، المساواة، الشفافية، التواضع، التواصل المستمر مع سكان الدائرة الانتخابية، والعمل بحس وطني صادق وروح المسؤولية في تمثيل المواطنين بما يلزم من جدية إن على مستوى الدفاع عن مصالح المواطنين، أو المشاركة الفعالة في التشريع واقتراح القوانين التي من شأنها خدمة الصالح العام، أو مراقبة أداء الحكومة ومساءلة أعضائها من الوزراء…
فإلى أي حد يلتزم نواب الأمة فعلا باحترام القوانين وعدم الإساءة إلى المواطنين والمس بحقوقهم؟ للأسف هناك من الأشخاص الذين بمجرد ما إن يحظوا بثقة الناخبين ويظفرون بمقاعد نيابية، حتى يسارعون إلى خلع ما كانوا يستعملون من أقنعة خادعة خلال الحملات الانتخابية، ويتحولون إلى أشخاص عدوانيين ومستهترين، بل ويصبحون غير مكترثين بالميثاق السياسي والأخلاقي، الذي يحدد مجموعة من القواعد والسلوكيات الأخلاقية، التي يجب الالتزام بها داخل المؤسسة التشريعية وخارجها.
إذ أنه في الوقت الذي تطالب فيه بعض الأحزاب السياسية بمناسبة المشاورات الجارية مع وزارة الداخلية حول إصلاح المنظومة الانتخابية، بعودة لائحة الشباب ورفع تمثيلية النساء إلى الثلث في مجلس النواب خلال الانتخابات المقرر إجراؤها في غضون بضعة شهور برسم سنة 2026، فإذا بشابة تحمل اسم “ياسمين لمغور” وهي بالمناسبة نائبة برلمانية عن حزب التجمع الوطني للأحرار، تطل علينا في خرجة إعلامية غير محسوبة العواقب، بإطلاقها سيلا من نعوت التحقير في حق من ينتقدون على حزبها أو أي شخص من المنتمين إليه، معتبرة أن من يتجرأ على القيام بذلك ليس مغربيا حرا، وأنه مجرد “جرثومة” أو “ميكروب” يتسكع فيما أسمته “مزابل مواقع التواصل الاجتماعي”
وهو ما أثار حفيظة نشطاء كثر على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أنهم انبروا لها بالانتقادات، رافضين بقوة أن يصدر هكذا أوصاف مشينة للمواطنين، عمن يفترض فيها التحلي بالرصانة، سمو الأخلاق وترسيخ ثقافة الحوار الهادئ والهادف بين المواطنين، إلى جانب الدفاع عن الاختلاف في الرأي والمواقف. إذ تساءل الكثير من المواطنات والمواطنين: كيف يمكن لمثل هذا الصنف من النواب البرلمانيين تمثيل الشباب في مجلس النواب؟ ألم يكن حريا بالنائبة “المحترمة” مواجهة من انتقدوا إبداء الممثل المغربي “بنعيسى الجيراري” نيته في الترشح للانتخابات القادمة باسم حزبها، بلغة راقية وأسلوب متحضر، بدل تلك النعوت القدحية مثل “الجراثيم” و”المرضى” و”باردين الكتاف” وغيرها؟ ثم لماذا لم تدع “الجيراري” يرد بنفسه عن منتقديه، مادام ليس قاصرا؟
فعلى المدعوة “ياسمين” وزهر الياسمين براء منها، أن تعلم جيدا أنها بتهجمها السافر على منتقدي حزبها أو بعض المنتمين إليه، لم تعمل سوى على الكشف عن مستواها الفكري الرديء والأخلاقي الدنيء، وقد أساءت إلى نفسها وحزبها بجميع مكوناته وإلى الفعل السياسي النبيل قبل أن تسيء إلى أي شخص آخر، كما أنها أكدت أن مكانها الحقيقي يوجد في جهة أخرى خارج أسوار المؤسسة التشريعية، لأن ما ورد في تدوينتها على مواقع التواصل الاجتماعي من شتم وإساءة، ليس انفعالا عابرا، بل هو دليل ساطع على انحطاط أخلاقي وسياسي. إذ كيف لمن يحمل صفة ممثل الأمة، اللجوء إلى هكذا أسلوب في توجيه خطابه لمن وضعوا الثقة يوما فيه أو في حزبه أو في العمل السياسي؟ وهل بمثل هؤلاء الشباب يمكن الارتقاء بالخطاب السياسي، والقطع مع تلك الأساليب البديئة والأوصاف الدنيئة؟
وهنا يمكن لنا أن نستحضر تلك المقولة: “إذا كان رب البيت بالدف ضاربا، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص” فقد سبق لكبير التجمعيين عزيز أخنوش قبل اعتلائه كرسي رئاسة الحكومة، أن توعد المغاربة بإعادة التربية لهم وهو ما يزال وزيرا للفلاحة في عهد حكومة سعد الدين العثماني، حيث قال خلال أحد المهرجانات الخطابية بمدينة ميلانو الإيطالية: “ماشي غير العدالة اللي خصها دير خدمتها، المغاربة اللي ناقصاهم التربية غادين نعاودو ليهم التربية” فكيف لمن تسمع قائدها يهدد ويتوعد المواطنين في التجمعات الحزبية، ألا تسير على خطاه؟
إننا لا نستطيع أن نقنع شباب اليوم بالانخراط في العمل السياسي والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وجزء من المواطنين يتلقون مثل هذا الفيض من الشتائم والنعوت القبيحة من طرف برلمانيين وقادة أحزاب، ولاسيما أن عبد الإله ابن كيران نفسه رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، الذي يفترض فيه أن يكون قدوة حسنة للجيل الصاعد في الأسلوب والسلوك، نجد أنه يكاد لا يتوقف عن كيل الشتائم الرخيصة لخصومه السياسيين وتشبيه المواطنين الذين يخالفونه الرأي ب”الميكروبات” و”الحمير”، وما إلى ذلك من الإساءات و الأوصاف غير المحمودة.
اترك تعليقاً