المقدمة
منذ استقلالها في أغسطس 1947، برزت باكستان كفاعل أساسي في النظام الدولي الناشئ، مُعلنة انحيازها المبدئي إلى قضايا التحرر الوطني في العالم العربي والإسلامي. لم يكن هذا الموقف مجرّد تعاطف عاطفي، بل تجسّد في تحركات دبلوماسية ملموسة داخل الأمم المتحدة، وفي توفير الغطاء السياسي والدعم المعنوي لحركات التحرر العربية. وقد شكّلت قضية استقلال المغرب نموذجاً بارزاً لذلك الالتزام، حيث التقت الإرادة السياسية الباكستانية مع جهود روّاد الحركة الوطنية المغربية مثل المهدي بنونة وأحمد بلافـرج.
أولاً: المهدي بنونة وصوت المغرب في نيويورك
1. السيرة والمسار الوطني
وُلد المهدي بنونة في مدينة تطوان في أسرة عُرفت بمواقفها الوطنية، فشبّ على قناعة راسخة بضرورة مقاومة الاستعمار الفرنسي والإسباني. تميّز بقدراته الصحفية والفكرية، فكان من أوائل من أدركوا أن معركة الاستقلال لا تُخاض بالسلاح وحده، بل أيضاً عبر الإعلام والدبلوماسية.
2. الرحلة إلى نيويورك (1947)
في سنة 1947، قام المهدي بنونة برحلة تاريخية إلى نيويورك لعرض القضية المغربية أمام الأمم المتحدة. وخلال ستة أشهر من الإقامة، عمل على مراسلة مناضلي الحركة الوطنية بانتظام، ونسج شبكة علاقات مع دبلوماسيين وصحفيين، في محاولة لتدويل القضية وإخراجها من الطابع المحلي. لقد مثّلت هذه الخطوة نقلة نوعية في الخطاب الوطني المغربي، حيث انتقلت القضية لأول مرة إلى فضاء أممي واسع.
3. المساهمة الفكرية والإعلامية
لم يقتصر دور بنونة على الحضور الدبلوماسي، بل استثمر قلمه لتعزيز التعريف بالقضية. ففي عام 1951 أصدر كتابه بالإنجليزية Our Morocco: The Story of a Just Cause، الذي مثّل مرجعاً أساسياً للتعريف بحق المغرب في الاستقلال لدى الرأي العام الغربي والمنظمات الدولية.
باكستان والدعم الرسمي للمغرب
1. محمد ظفر الله خان ودبلوماسية التحرر
أول وزير خارجية لباكستان، محمد ظفر الله خان، كان من أبرز الأصوات الداعمة لتحرّر الشعوب العربية داخل أروقة الأمم المتحدة. فقد تبنّى موقفاً صريحاً يربط بين استقلال الشعوب العربية وبين مبادئ القانون الدولي الناشئ آنذاك، ما منح القضايا العربية زخماً إضافياً في المحافل الأممية.
2. جواز السفر الباكستاني لأحمد بلافـرج
من أبرز صور الدعم التي خلّدها التاريخ إصدار باكستان جواز سفر دبلوماسي للمناضل المغربي أحمد بلافـرج عام 1952، بعد أن رفضت السلطات الفرنسية الاعتراف بجواز مغربي مستقل. هذا الموقف مكّن بلافـرج من حضور جلسات الأمم المتحدة بصفة رسمية، مما عزّز حضور القضية المغربية في أروقة المنظمة الدولية. وقد واصل بلافـرج نشاطه مستخدماً هذا الغطاء الدبلوماسي لتوسيع دائرة التعاطف الدولي مع مطلب الاستقلال.
ثالثاً: الامتداد التاريخي لمواقف باكستان
1. القضية الفلسطينية
منذ لحظة تأسيسها، أعلنت باكستان رفضها الاعتراف بإسرائيل، واعتبرت فلسطين قضية مركزية في سياستها الخارجية. وقد عبّر قادتها، وعلى رأسهم محمد ظفر الله خان، عن تضامنهم المستمر مع الشعب الفلسطيني في مختلف المحافل الدولية.
2. دعم حركات التحرر العربية الأخرى
لم يتوقف الدعم الباكستاني عند المغرب وفلسطين، بل شمل أيضاً تونس والجزائر وغيرها من حركات التحرر العربية. وقد تبنّت إسلام آباد سياسة خارجية قائمة على الدفاع عن حق تقرير المصير، ما عزّز صورتها كدولة ناشئة تحمل مشروعاً تحررياً عابراً للحدود.
الخاتمة
يُظهر المسار التاريخي منذ 1947 أنّ باكستان لم تكن دولة على الهامش في ما يخص قضايا العالم العربي، بل لعبت دوراً مؤثراً في دعم استقلال المغرب، كما ظلّت وفية لموقفها المبدئي من القضية الفلسطينية. وقد التقت إرادتها السياسية مع جهود شخصيات مغربية بارزة مثل المهدي بنونة وأحمد بلافـرج، لتشكّل بذلك نموذجاً للتعاون الأممي بين حركات التحرر والدول الإسلامية الحديثة الاستقلال. هذه الذاكرة المشتركة ما تزال إلى اليوم إحدى ركائز العلاقات المغربية الباكستانية، وتجسيداً لالتزام ثابت بمبدأ الحرية وتقرير المصير.
المصادر:
• Bennouna, Mehdi. Our Morocco: The Story of a Just Cause. Tangier, 1951.
• Stenner, David. Globalizing Morocco: Transnational Activism and the Postcolonial State. Stanford University Press, 2019.
• Yabiladi: “How a Pakistani passport helped Morocco fight French colonialism,” 2023.
• Wikipedia: Mehdi Bennouna, Ahmed Balafrej, Muhammad Zafarullah Khan