علوم الحياة والأرض مدخل فعال للتربية على القيم في المدرسة المغربية
لم تعد المدرسة المغربية اليوم مطالَبة فقط بتلقين الدروس والمعارف، بل أصبحت مدعوّة لتربية الإنسان في كليته: فكراً وسلوكاً ووجداناً. فالتربية على القيم ليست ترفاً ولا شعاراً تجميلياً في وثائق الإصلاح، بل هي جوهر العملية التعليمية وغايتها الأسمى.
وفي خضمّ النقاش حول تراجع السلوك المدني، وضعف الوعي البيئي، وغياب روح المسؤولية الجماعية، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن للمواد العلمية، التي تبدو في ظاهرها “محايدة”، أن تسهم في ترسيخ القيم لدى المتعلمين؟
الجواب قد نجده في مادة علوم الحياة والأرض، هذه المادة التي تفتح للمتعلمين نوافذ واسعة على أسرار الحياة، وتدعوهم للتفكير في علاقة الإنسان بالطبيعة والكائنات الحية، وبالبيئة التي يعيش فيها.
من يدرّس هذه المادة أو يتتبع محتوياتها يدرك أنها ليست مجرد درس عن الخلايا أو الصخور أو أجهزة الجسم، بل هي درس في الرحمة والضمير والإحسان.
فعندما يتعلم المتعلم عن التنوع البيولوجي، لا ينبغي أن يتوقف عند حفظ الأنواع، بل أن يستشعر قيمة احترام الحياة والإحسان إلى الكائنات الحية التي تشاركنا الوجود. وحين يناقش تلوث الماء أو الاحتباس الحراري، عليه أن يدرك أنّ حماية البيئة ليست واجباً علمياً فحسب، بل عملاً إحسانياً يعبّر عن مسؤولية الإنسان تجاه الأرض التي استخلفه الله فيها.
وإذا تأملنا الواقع، نجد أن أساتذة علوم الحياة والأرض يمتلكون فرصاً بيداغوجية غنية لتربية المتعلمين على قيم علمية وإنسانية رفيعة:
قيمة المسؤولية البيئية: وعي المتعلم بأن كل تصرف يؤثر في توازن الطبيعة.
قيمة الإحسان إلى البيئة والحيوان: سلوك عملي يعكس احترام الإنسان لمخلوقات الله، ويترجم الرحمة إلى فعلٍ يوميّ.
قيمة المواطنة البيئية: الانخراط الإيجابي في حماية المجال الطبيعي المحلي.
قيمة التعاون والتكامل: من خلال التجارب والعمل الجماعي داخل القسم والمختبر.
قيمة التواصي بالحق: تشجيع المتعلمين على التعبير عن آرائهم العلمية والدفاع عن البيئة والعدالة الإيكولوجية بالحوار والإقناع.
هذه المقاربة التربوية تؤكدها دراسات مغربية متعددة، فالباحث الصديق الصادقي العماري يشير في مجلة كراسات تربوية إلى أنّ المدرسة المغربية لا يمكن أن تنهض بأدوارها دون إدماج القيم في كل الممارسات الصفية. كما يؤكد يوسف العلمي أن الحياة المدرسية فضاء مثالي لترسيخ القيم الأخلاقية والسلوكية من خلال الأنشطة العلمية والاجتماعية المندمجة.
لكن للأسف، ما زال كثير من الدروس في علوم الحياة والأرض تُقدَّم بطريقة جافة تقتصر على التعريفات والرسوم، دون أن تفتح المجال للتساؤل القيمي: ما دوري اتجاه الحياة؟ كيف نُحسن إلى بيئتنا؟ ما واجبنا اتجاه الحيوان؟ كيف ندافع عن الحق في بيئة سليمة؟
إنّ مادة علوم الحياة والأرض يمكن أن تكون مدخلاً فعّالاً للتربية على قيم كثيرة مثل: الإحسان، والمسؤولية، والتواصي بالحق، واحترام الحياة، إذا ما تمّ التعامل معها كمنهاج تربوي متكامل لا كمجموعة معارف تقنية. فالأستاذ حين يربط العلم بالقيمة، يمنح المتعلم معنى لِما يتعلّمه، ويحوّل المعرفة إلى سلوك، والعلم إلى ضمير حيّ.
إننا اليوم في حاجة إلى مدرسة مغربية تُخرّج أجيالاً تفكّر بعقل علمي وتتحرك بقلبٍ إنساني، تعرف أن الإحسان إلى البيئة هو إحسان إلى الإنسان نفسه، وأن التواصي بالحق يبدأ من قول الحقيقة العلمية والدفاع عن المصلحة العامة. حينئذ فقط تصبح علوم الحياة والأرض تربية على الحياة، لا مجرد حديث عنها.
عبد الحي الصالح
* باحث في علوم التربية، أستاذة علوم الحياة والأرض



اترك تعليقاً