اقتصاد

غنبوري يحذر: استمرار العجز التجاري يهدد احتياطي العملة ويضغط على الاقتصاد الوطني (حوار)

قال رئيس المركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي غنبوري، في حوار له مع جريدة “العمق”، إن ارتفاع عجز الميزان التجاري في المغرب يرتبط بعدة عوامل داخلية تعود إلى بنية الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الطاقية والمواد الأولية والسلع الاستهلاكية المصنعة.

وأوضح غنبوري أن ضعف القاعدة الصناعية المحلية، وعدم قدرة القطاعات المنتجة على تلبية الحاجيات الداخلية، يفرض على البلاد اللجوء المتزايد إلى السوق الخارجية.

وأشار إلى أن العوامل الخارجية تتجسد أساسا في ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية. ويبرز قطاع الطاقة كأحد القطاعات التي تساهم بقوة في تعميق العجز التجاري، حيث تشكل فاتورة النفط والغاز الجزء الأكبر من الواردات المغربية.

وأكد أن العجز التجاري المرتفع يضغط على النمو الاقتصادي، لأنه يعني أن الطلب الداخلي يُشبع عبر منتجات مستوردة بدلا من منتجات محلية، وهو ما يحرم الاقتصاد الوطني من فرص خلق القيمة المضافة وخلق فرص الشغل.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

كيف نفسر ارتفاع عجز الميزان التجاري في المغرب خلال السنوات الأخيرة؟ وما هي أبرز العوامل الداخلية والخارجية المساهمة في هذا العجز؟

ارتفاع عجز الميزان التجاري في المغرب يرتبط بعوامل داخلية تعود إلى بنية الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الطاقية والمواد الأولية والسلع الاستهلاكية المصنعة، ما يوسع الفجوة بين قيمة الواردات والصادرات.

كما أن ضعف القاعدة الصناعية المحلية، وعدم قدرة القطاعات المنتجة على تلبية الحاجيات الداخلية، يدفع المغرب إلى الاعتماد أكثر فأكثر على السوق الخارجية، مما يرفع من قيمة الفاتورة التجارية. ويضاف إلى ذلك ضعف التنويع في الصادرات، حيث تظل مركزة في قطاعات محدودة مثل الفوسفات والسيارات والفلاحة، ما يجعل الميزان التجاري عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.

أما العوامل الخارجية فتتمثل في ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية، وهو ما يثقل فاتورة الواردات الطاقية، خصوصا أن البلاد لا تزال تعتمد على الاستيراد لتغطية أكثر من 90 بالمئة من حاجياتها الطاقية. كما أن التحولات في سلاسل التوريد العالمية، وتباطؤ الطلب لدى الشركاء الأوروبيين، أثرت سلبا على قدرة المغرب على رفع صادراته في السنوات الأخيرة.

أيضا، فإن الأزمات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في التجارة العالمية، زادت من تكاليف الاستيراد والشحن.

من جانب آخر، فإن تراجع تنافسية بعض المنتجات المغربية نتيجة كلفة الإنتاج المرتفعة وضعف الابتكار، يجعلها تواجه منافسة قوية في الأسواق الدولية، ما يحد من نمو الصادرات. كما أن ضعف القيمة المضافة في جزء كبير من الصادرات الفلاحية والمعدنية لا يسمح بتحقيق فائض تجاري كاف لمعادلة حجم الواردات.

بالتالي، يمكن القول إن العجز التجاري ناتج عن تداخل عوامل هيكلية داخلية وظرفية خارجية.

ما هي القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثيرا في زيادة العجز التجاري؟ وهل للسياسات الصناعية والتجارية دور في هذا السياق؟

من أبرز القطاعات التي تساهم في تعميق العجز التجاري، يبرز قطاع الطاقة، حيث تشكل فاتورة النفط والغاز الجزء الأكبر من الواردات المغربية. ففي سنة 2022 مثلا، بلغت فاتورة الطاقة ما يقارب 16 مليار دولار، بينما تجاوز عجز الميزان التجاري 29 مليار دولار، أي أن الفاتورة الطاقية وحدها تمثل أكثر من نصف العجز، ويصعب تقليصها على المدى القصير بسبب محدودية الإنتاج المحلي.

كما يلعب قطاع التجهيزات الصناعية والتكنولوجية دورا مهما، إذ يستورد المغرب معدات متطورة لتلبية حاجيات الصناعات الناشئة مثل السيارات والطائرات والطاقة المتجددة. كذلك تساهم واردات الأدوية والمنتجات الكيماوية في تعميق العجز.

في المقابل، ورغم أن بعض القطاعات التصديرية مثل السيارات والفلاحة والفوسفات تحقق أرقاما مهمة، فإنها لا تكفي لتغطية فاتورة الواردات الضخمة. فقطاع السيارات، رغم تصدره للصادرات، لا يزال مرتبطا بنسبة عالية من المكونات المستوردة، ما يحد من أثره الصافي على الميزان التجاري. أما الصادرات الفلاحية، فرغم نموها، فإنها لا تواكب حجم الطلب الداخلي على الحبوب والزيوت المستوردة.

أما السياسات الصناعية والتجارية، فلها دور مباشر في العجز، إذ لم تنجح الاستراتيجيات السابقة في تقليص التبعية للخارج، خاصة في مجالات الطاقة والحبوب والأدوية. كما أن غياب سياسة حمائية ذكية، والانفتاح الواسع عبر توقيع اتفاقيات تبادل حر مع شركاء أقوياء، جعل السوق المغربية مفتوحة أمام الواردات، دون أن تتمكن الصادرات المغربية من اختراق أسواقهم بنفس القوة. وهو ما يبرز غياب التوازن في السياسات التجارية.

كيف يؤثر ارتفاع العجز التجاري على النمو الاقتصادي وجاذبية الاستثمار الأجنبي؟

العجز التجاري المرتفع يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي، لأنه يعني أن الطلب الداخلي يُلبى عبر منتجات مستوردة، ما يحرم الاقتصاد من القيمة المضافة المحلية وفرص الشغل. كما أن ارتفاع الواردات مقارنة بالصادرات يؤدي إلى نزيف في احتياطي العملة الصعبة، مما يحد من قدرة الدولة على تمويل الاستثمارات.

أما بالنسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية، فإن العجز التجاري له أثر مزدوج. من جهة، قد يشكل فرصة للشركات الأجنبية التي ترى في المغرب سوقا واعدة، فتستثمر لإنتاج سلعها محليا. ومن جهة أخرى، فإن استمرار العجز قد يثير مخاوف حول هشاشة التوازنات الاقتصادية، ويضعف الثقة في استقرار الاقتصاد الكلي، خاصة إذا رافقه تراجع في احتياطي العملة وتفاقم الدين.

إلى أي حد يمكن أن يؤدي استمرار العجز التجاري إلى زيادة الدين العمومي أو الضغط على احتياطي العملات؟

العجز التجاري المستمر يعني أن المغرب ينفق عملات أجنبية أكثر مما يجني من صادراته، ما يخلق حاجة متزايدة لتمويل الفجوة عبر الاستدانة الخارجية أو استنزاف الاحتياطات.

في حالة تراجع موارد العملة الصعبة مثل تحويلات الجالية أو مداخيل السياحة والفوسفات، تضطر الدولة للجوء إلى التمويل الخارجي، مما يزيد من خدمة الدين ويضغط على الميزانية.

كما أن تآكل الاحتياطات يؤثر سلبا على التصنيف الائتماني، ويضعف قدرة المغرب على مواجهة الصدمات الخارجية. لذلك، فإن استمرار العجز دون معالجة هيكلية قد يؤدي إلى ارتفاع الدين العام وضعف الاستقرار المالي.

ما هي العلاقة بين العجز التجاري واحتياطي العملة الصعبة؟ وهل يشكل العجز تهديدا للاستقرار المالي؟

العلاقة بين العجز التجاري واحتياطي العملة الصعبة علاقة مباشرة. فكلما ارتفع العجز، ارتفع الضغط على الاحتياطي، خصوصا إذا لم تتم تغطيته عبر تحويلات مالية خارجية.

رغم أن المغرب حافظ في السنوات الأخيرة على مستوى مريح من الاحتياطات بفضل تحويلات الجالية وعائدات السياحة، فإن استمرار العجز قد يعرض هذه الاحتياطات للخطر في حال وقوع صدمات خارجية.

من حيث الاستقرار المالي، فإن العجز لا يشكل تهديدا فوريا إذا كانت الاحتياطات كافية لتغطية عدة أشهر من الواردات. لكن استمرار العجز وتآكل الاحتياطات قد يتحول إلى تهديد حقيقي، لذلك فإن التحكم فيه مسألة حيوية.

ما هي الاستراتيجيات الممكنة للحد من العجز التجاري؟

تقليص العجز التجاري يتطلب استراتيجية متكاملة تقوم على:

  • دعم تنافسية الصادرات عبر الجودة والابتكار وخفض التكاليف

  • تنويع الأسواق التصديرية خارج أوروبا

  • تطوير الصناعات التحويلية لرفع القيمة المضافة

  • تشجيع إحلال الواردات بصناعات محلية في الأدوية والطاقات المتجددة والمواد الغذائية

  • تحفيز البحث والتطوير وربط التكوين المهني بالاحتياجات الصناعية

  • تطوير اللوجستيك وخفض كلفة التصدير

  • مراجعة بعض اتفاقيات التبادل الحر لضمان التوازن ومنع الإغراق

كيف يمكن للمغرب الاستفادة من اتفاقيات التجارة الدولية للحد من تأثير العجز التجاري؟

يمكن للمغرب الاستفادة من الاتفاقيات التجارية لتوسيع أسواق صادراته، وجذب الاستثمارات الأجنبية في القطاعات التصديرية. لكن الاستفادة الحقيقية تتطلب تعزيز التنافسية، وتفعيل آليات مراقبة التوازن، وتفادي الإغراق.

كما يجب مراجعة بعض الاتفاقيات غير المتكافئة، وتحويل الانفتاح إلى فرصة لتعزيز الصادرات، بدلا من أن يكون مصدرا للعجز.