مجتمع

8452 فتاة تزوجن في عام واحد.. زواج القاصرات مستمر بالمغرب رغم تراجع الأرقام

رغم التحولات التشريعية والوعي المجتمعي المتزايد، لا تزال ظاهرة الزواج المبكر قائمة في المغرب، خاصة في المناطق القروية، حيث تكشف تقارير دولية أن نحو 650 مليون فتاة حول العالم تزوجن قبل بلوغ سن 18 عاما، بعضهن لم يتجاوزن حتى عتبة المراهقة، بحسب منظمة اليونسكو.

وعلى الرغم من التوجه الرسمي نحو الحد من هذه الظاهرة، فإن أعدادا كبيرة من الفتيات المغربيات ما زلن ضحايا الزواج المبكر، حسب ما خلص إليه تحقيق صحفي لـ”لكونميست” في وقت تعلن فيه الحكومة التزامها بالقضاء عليه نهائيا خلال خمس سنوات، انسجاما مع أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030.

لكن الواقع الميداني يطرح تساؤلات حول مدى واقعية هذا الطموح. في هذا السياق، يعتبر عالم الاجتماع عبد الصمد ديالمي أن “تحقيق الهدف يظل مهمة صعبة، خصوصا في أوساط لا تزال متشبثة بتقاليدها”.

إقرأ أيضا: الحكومة: انخفاض زواج القاصرات بـ65%.. والمعدل لا يزال مرتفعا بالمناطق الهشة

من جهتها، تشير عاطفة تيمجردين، ناشطة نسائية في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، ضمن تصريحات لـ”لكونميست” إلى أن الظاهرة تمس الفتيات في 93 بالمئة من الحالات، وتنتشر خصوصا في الأوساط القروية الفقيرة والمعزولة، وفي سياقات عائلية يسودها العنف وغياب التعليم، حيث تنقطع أغلب الفتيات عن الدراسة بمجرد الزواج.

ووفقا لإحصاءات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط لعام 2023، تم تسجيل 8452 حالة زواج مبكر، تمثل 3.39 بالمئة من مجموع الزيجات. ورغم تراجع النسبة مقارنة بالسنوات الماضية، يبقى العامل الاجتماعي والاقتصادي المحرك الأساسي لهذه الظاهرة.

دراسة وطنية أنجزتها رئاسة النيابة العامة بشراكة مع اليونيسيف، أكدت أن عدد حالات الزواج المبكر تراجع بنسبة 75 بالمئة بين 2010 و2023، حيث انخفض من نحو 40 ألف حالة إلى أقل من 8500، لكن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية لا تزال تشكل حافزا رئيسيا لاستمرارها.

ويؤكد جمال خليل، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن الزواج المبكر غالبا ما يرتبط بمصلحة العائلات، خاصة في المناطق القروية، حيث يتم تزويج الفتيات بين سن 16 و17 عاما لتخفيف العبء المالي وضمان مستقبل مادي أفضل، خصوصا إذا كان الزوج من طبقة اجتماعية أعلى.

لكن هذه “الحلول العائلية” غالبا ما تنقلب إلى مشاكل اجتماعية ونفسية، إذ تجد الفتيات أنفسهن في علاقات مضطربة مليئة بالعنف أو الإهمال، لتتحول الحياة الزوجية إلى ما يشبه “قفصا ذهبيا”، بحسب تعبير خليل. ويضيف أن بعض العائلات تبرر ذلك بالتقاليد أو المرجعية الدينية، وهو ما يعقد من إمكانية تجاوز هذه الممارسة.

قانون الأسرة الصادر في 2004 حدد سن الزواج القانوني في 18 سنة، لكنه ترك مجالا للاستثناء عبر المادتين 20 و21، حيث يمكن للقاصر التقدم بطلب إذن قضائي خاص، يخضع لتقييم طبي واجتماعي. غير أن الواقع القضائي أظهر أن هذه الاستثناءات تحولت إلى قاعدة، حيث تضاعف عدد حالات زواج القاصرين خلال عقد واحد بعد صدور المدونة، وانتقل من 18,300 حالة إلى أكثر من 33,500، قبل أن يعرف تقلبات ما بين 20,000 و39,000 حالة.

وفي بعض الحالات، تلجأ الأسر إلى الزواج بالفاتحة عند رفض المحكمة منح الإذن، خصوصا إذا كانت الفتاة حاملا، ما يضع القضاء أمام أمر واقع. وفي هذه الحالات، يضطر القاضي إلى الاعتراف بالزواج حفاظا على الحقوق القانونية للطفل والأم، ما يفتح الباب أمام تسوية قانونية تسمح بالحصول على الوثائق الرسمية.

ويتم أحيانا استغلال زواج الفاتحة كوسيلة للتحايل على قانون الأسرة، سواء لتزويج القاصرات خارج الإطار القضائي، أو لإضفاء الشرعية على زواج ثان، في تجاوز مباشر للقيود التي فرضتها مدونة الأسرة على التعدد.

التبعات الصحية والاجتماعية لزواج القاصرات خطيرة، حيث تحرم الفتاة من طفولتها ومن حقها في التعليم، وتعرضها لمخاطر صحية مثل فقر الدم، هشاشة العظام، وارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال. كما تنتج عنه أعباء اقتصادية بسبب محدودية دخل الأسرة، ما يؤدي إلى استمرار دائرة الفقر

وتشير بيانات جمعها المجتمع المدني إلى أن بعض حالات الزواج المبرم بالفاتحة تم تسويتها قانونيا بفضل المهلة التي منحتها مدونة الأسرة والتي امتدت إلى 15 سنة بعد الإصلاح، قبل أن تنتهي رسميا سنة 2019. وبعدها، أصبحت هذه الحالات تمثل نسبة ضئيلة من عقود الزواج، لكن حالات تزويج القاصرات ما تزال قائمة.

وبينما تسجل الإحصاءات انخفاضا تدريجيا في الأرقام، تبقى الظاهرة قائمة، ويظل القضاء عليها نهائيا تحديا يتطلب إصلاحات شاملة تشمل التعليم، الصحة، الحماية الاجتماعية، وتمكين النساء اقتصاديا. كما يحتاج الأمر إلى مقاربة ثقافية وتربوية تضع حدا للتقاليد التي تبرر تزويج القاصرات تحت غطاء العادات أو الدين.

ويبقى مستقبل آلاف الفتيات في المغرب معلقا بين القوانين التي تهدف لحمايتهن، والواقع الاجتماعي الذي يعيد إنتاج نفس الممارسات. وبين الفقر، والعنف، والعادات، تظل مسافة واسعة تفصل بين النصوص القانونية وتطبيقها على أرض الواقع.