سياسة

جيل “Z”.. حراك يتغذى على ضعف الثقة ويختبر العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن

عرفت عدد من المدن المغربية في اليومين الماضيين احتجاجات تطالب بإصلاح قطاعي الصحة والتعليم، دعا إليها شباب ينتمون إلى ما يعرف بجيل “Z”، وهو جيل منفلت عن تأطير التنظيمات النقابية والحزبية بحسب ما يظهر من خطابه في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من صعوبة تفسير هذه الاحتجاجات وتحليلها وهي ما تزال في مهدها، فإن هناك جملة من العناصر ميزت خطاب المحتجين، يمكن أن تشكل نوافذ تسمح بإلقاء نظرة على هذا الحراك، أبرزها التركيز بشكل كبير على قطاعي الصحة والتعليم، ثم النأي بالاحتجاجات عن أي إطار نقابي أو حزبي.

ضعف الثقة

ومن بين العوامل التي تفسر هذه الاحتجاجات، بحسب ما أوضح المحلل السياسي والخبير في القانون الدستوري رشيد لزرق في تصريح لـ”العمق”، هو تراجع ثقة المواطنين، خصوصا الشباب، في القنوات التقليدية من قبيل البرلمان والأحزاب وغيرها، بحيث أصبح الشارع وسيلة أساسية للتعبير.

ويقصد بجيل “Z” الأشخاص المولودين بين منتصف التسعينيات (1997 تقريبا) وبداية العقد الثاني من القرن الـ21 (2010 تقريبا)، وهو الجيل الذي ولد أفراده وترعرعوا في عصر التكنولوجيا والإنترنت، لذلك لم يكن انطلاقه من مواقع التواصل الاجتماعي غريبا.

وفي هذا الصدد، قال رشيد لزرق أستاذ العلوم السياسية بجامعة القنيطرة إن شبكات التواصل الاجتماعي ساهمت في توسيع دائرة الغضب وتنظيم التعبئة بشكل أسرع وأكثر فعالية، في ظل “ضعف العدالة المجالية وتراكم اختلالات اجتماعية واقتصادية تراها فئات واسعة غير محتملة”.

في الاتجاه ذاته، ذهب الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، قائلا في تصريح لجريدة “العمق”، “في انتظار أن يتم تحديد بروفيلات نشطاء هذه الحركة ومدى قوة استمراريتها ووضوح رؤيتها وإمكانية هيكلتها، حتى لا يكون مصيرها كمصير حركة 20 فبراير”.

واسترسل “يمكن القول إنها انعكاس لضعف تأطير التنظيمات الحزبية والنقابية للقاعدة الشعبية، والفراغ الذي تركته في هذا المجال، كما تعكس الحركة فقدان أجيال الشباب خاصة أجيال منتصف التسعينيات وبداية الألفية ثقتها في هذه الأحزاب والبحث عن رفع مطالبها في إطار حركات مستقلة عنها”.

وكشف المركز المغربي للمواطنة في تقرير حول “الأحزاب المغربية وأزمة المصداقية”، صدر قبل أيام، أن 91.2 بالمائة من المغاربة غير منخرطين حاليا في أي حزب سياسي، مقابل 8.8 بالمائة ينتمون إلى حزب سياسي، بينما انسحب 33 بالمائة من المغادرين للأحزاب بسبب “غياب الديمقراطية”.

العقد الاجتماعي

ركزت الاحتجاجات الأخيرة بشكل كبير على ضرورة إصلاح قطاعي الصحة والتعليم، كمطلب مركزي، وفي هذا الصدد قال رشيد لزرق إن الأمر لا يشكل صدفة، موضحا أن هذين القطاعين يشكلان صلب العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.

وتابع أن ضعف المستشفى والمدرسة العمومية يجعل الأسر تشعر أن الدولة تخلت عن أبسط التزاماتها الدستورية، ومع ارتفاع كلفة العلاج والتعليم الخصوصي، يجد المواطن نفسه أمام عبء مالي ومعنوي مباشر، وهو ما يفسر الطابع الجماهيري لهذه المطالب.

في السياق ذاته، أشار شقير إلى أن احتجاجات 27 و28 شتنبر أكدت على ضرورة إصلاح الخدمات التعليمية والصحية، خصوصا “الأوضاع الكارثية للمستشفيات العمومية”، بالإضافة إلى محاربة الفساد، مشيرا إلى أنه لا يمكن فصلها عن الحركة الاحتجاجية التي قادها شباب في عدة دول تنديدا بالإبادة الإسرائيلية لغزة.

وأضاف شقير أن حركة “جيل Z” التي ظهرت بالمغرب تختلف عن نظيراتها بعدة دول أفريقية ككينيا أو آسيوية كبنغلاديش، بتشبثها بالسلمية والثوابت الوطنية، “بدليل رفعها للعلم المغربي كشعار لها وكذا تبنيها للرمز الهاتفي دليلا على تشبثها بالوطنية، في الوقت الذي تؤكد فيه على ضرورة إصلاح الخدمات الصحية والتعليمية ومحاربة الفساد”.

“لحظة تقييم”

ولاحظ عدد من المتتبعين أن الحركة الاحتجاجية لجيل “Z” ظهرت في سنة انتخابية، وهو ما دفع بعض الأصوات إلى ربط هذا الحراك بجهات داخلية أو خارجية، لكن عددا من شباب هذه الحركة شددوا على أن احتجاجهم عفوي وسلمي، ودافعهم للاحتجاج هو تردي أوضاع الصحة والتعليم واستشراء الفساد.

بروز هذه الاحتجاجات في السنة الأخيرة من الولاية الحكومية، بحسب ما أوضح لزرق، يرتبط من جهة بكونها لحظة تقييم جماعي للحصيلة، بحيث يقيس المواطن النتائج بعد سنوات من الوعود، و”مع تراكم الإخفاقات يزداد الغضب وضوحا”.

ومن جهة أخرى، يضيف المتحدث ذاته، فإن الحكومة في نهاية ولايتها تفقد جزءا من قدرتها على المناورة، وهو ما يشجع الشارع على الضغط لانتزاع تنازلات. فالاحتجاجات ليست حدثا ظرفيا بل تعبيرا عن دورة سياسية تتجدد مع كل مرحلة انتقالية في عمر الحكومات.

في سياق متصل، لاحظ شقير أن السلطات “تتخوف على ما يبدو من أن تكون هذه الاحتجاجات مسيسة خاصة في سنة انتخابية بامتياز، أو أن تكون موظفة من طرف قوى معادية في ظرفية يعرف فيها ملف الصحراء منعطفا حاسما وتتهيأ فيها المملكة لاحتضان كأس أفريقيا والاستعداد لتنظيم كأس العالم لسنة 2030”.