منتدى العمق

إلى أين يسير المغرب؟!

يعيش بلدنا هذه الأيام على وقع مشهد يثير القلق والأسف في آن واحد. شباب من جيل جديد، جيل Z، خرجوا إلى الشارع في أكثر من مدينة مغربية، يحملون معهم مطالب بسيطة ومشروعة: حرية، كرامة، عدالة اجتماعية، صحة وتعليم. هي مطالب لم تأت من فراغ، بل من واقع معاش يزداد ضيقًا كل يوم. الغلاء ينهش القدرة الشرائية للأسر، البطالة تدفع آلاف الطاقات الشابة إلى حافة اليأس.. وجودة التعليم والصحة تتراجع بشكل مقلق، بينما لا يلوح في الأفق ما يبعث على الطمأنينة أو يفتح آفاقًا حقيقية للمستقبل.

لكن بدل أن تتلقف الدولة هذه الرسائل كجرس إنذار وتفتح قنوات للحوار مع الجيل الجديد، كان الرد عنيفًا وقاسيًا. صور وفيديوهات تناقلها من التقطها من ساحات الاعتقالات التي كانت بالجملة، ضربًا وإهانة في حق شباب خرجوا للتظاهر سلميا، في خرق واضح للدستور الذي ينص على حق المواطنين في التظاهر السلمي، وعلى ضرورة إخبار المعتقل بسبب اعتقاله قبل اقتياده!!!؟
أين نحن إذًا من الدستور؟

وأي معنى له إذا كان يظل مجرد وثيقة جميلة الحروف معلقة على الجدران بينما الواقع يسير في اتجاه معاكس تمامًا؟!!!!

هذا التناقض العميق بين النصوص الدستورية والممارسة على أرض الواقع يطرح سؤالًا جوهريًا: هل المغرب في طريقه إلى تعزيز الحقوق والحريات أم إلى تراجع خطير يعيد عقارب الساعة إلى الوراء؟ في ظل انتعاش صارخ للفساد ورعاته…

عشرات الشباب يجدون أنفسهم في مواجهة آلة أمنية ضخمة بلا رحمة، بينما الإعلام الرسمي يصمت صمتًا مطبقًا، وكأن ما يحدث لا يستحق التغطية ولا النقاش.
إن تجاهل الإعلام لهذه الأصوات يزيد من شعور القطيعة بين المواطن والدولة، ومن في مصلحته هذه القطيعة والنفور؟؟!!

جيل Z الذي خرج إلى الشارع هو جيل نشأ في زمن التكنولوجيا والانفتاح، لا يعرف الخوف من التعبير، لا يعترف بأسلوب الضرب، ويصعب إخضاعه للطرق القديمة التي اعتادت الأنظمة استعمالها والتي ظننا أن زمنها قد ولى. إن قمع هذا الجيل لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان، لأن أسباب الغضب لم تعالج، بل بالعكس، تتفاقم يومًا بعد يوم بفعل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. فالغلاء المستمر في الأسعار يرهق الأسر المغربية الفقيرة وطال حتى الطبقة المتوسطة، وتراجع فرص العمل يوسع دائرة الفقر، وتدهور الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم يجعل الناس يشعرون أن الحكومة غائبة عن أدوارها الأساسية.

المؤسف أكثر هو أن الاعتقالات والعنف لم توجه فقط إلى من يطالبون بمطالب مستحقة، بل وجهت أيضًا رسالة سلبية إلى المجتمع بأسره، مفادها أن حرية التعبير ما زالت هشة، وأن الكلمة الحرة قد تكلف صاحبها الاعتقال والإهانة والتجريس. كيف يمكن لشباب يطالب بكرامة وعدالة اجتماعية أن يصدق وعود الإصلاح والديمقراطية إذا كان ثمن وقفة سلمية هو العنف والاعتقال؟

الاستقرار لا يُبنى بالقمع، بل بالحوار. الأمن لا يتحقق بالهراوة، بل بالثقة بين المواطن ومؤسساته. الشرعية الحقيقية لا تترسخ بالشعارات، بل باحترام الحقوق والحريات وضمان العدالة الاجتماعية. إن البلد الذي يغلق أبواب الحوار ويفتح أبواب السجون أمام النشطاء السياسيين وأمام شباب سلميين يغامر بمستقبله، ويدفع ثمن ذلك في شكل مزيد من فقدان الثقة والشرخ بين الدولة والمجتمع. وحين تغلق كل الأبواب أمام الكلمة الحرة فإن البلد يضع نفسه على حافة الانفجار الاجتماعي.