لو اجتمعت موبقات أعضاء حزب العدالة والتنمية منذ نشأته في كفة، وموبقات عبد العززيز أفتاتي وحده في كفة أخرى، لرجحت كفة السيد أفتاتي بامتياز، من كثرة أهواله التي تشيب لها الولدان وتضع كل ذات حمل حملها؛ فتارة يستقوي بالخارج، وهو نائب برلماني، بمراسلته الشهيرة للسفارة الفرنسية، وتارة يُزَور مناطق حدودية حساسة منتحلا صفة مستشار رئيس الحكومة في مهمة خاصة، ومرة يتسبب في فوضى عارمة، وهو على متن طائرة، مُعَرِّضا حياة المسافرين للخطر، ومن بينهم أعضاء من المجلس الأعلى للقضاء المصري ورئيس جريدة الأهرام المشهورة، بسبب قُبلة عابرة في فيلم “Spiderman” كان معروضا على شاشات الطائرة، واللائحة تطول.
العجيب أن هذا الرجل طيلة مدة انتدابه كبرلماني عن دائرة وجدة أنكاد، رفض أن يُعَلِّق يافطة الحزب في مقره البرلماني، مدعيا بأن أبناء الصحوة من أوصلوه إلى البرلمان وليس الحزب؛ ورغم كل ذلك، فقد كان يتمتع دوما بما يتمتع به أصحاب الحظوة والسابقة؛ إذ تم ترشيحه للبرلمان مرة أخرى وكأن لا شيء قد وقع.
قبل 13 سنة، كتبتُ سلسلة من ثلاث حلقات، وكان عنوانها: “هل صحيح أن عبد العزيز أفتاتي مختل عقليا؟”، وتشاء الأقدار أن يكون السيد “بنكيران” من أجاب عن هذا التساؤل المشروع، حينما وصف أفتاتي في ملتقى شبيبة الحزب نهاية الأسبوع ب “حَمَاقة”، على إثر نَشْرِ هذا الأخير تدوينة يدعو فيها إلى “”قلب الطاولة” على الدولة.
التساؤلات التي أطرحها اليوم، والتي تتطلب ربما 13 سنة أخرى للإجابة عنها هي: ما الذي منع الحزب من أن يتخذ موقفا حازما من هذا “الْحماقة”، على حد تعبير بنكيران؟ وما هي مؤهلات هذا الرجل “الْحماقة” حتى يصبر عليه الحزب قرابة ثلاثة عقود؟ ولماذا آثر السيد “بنكيران” أن يتعرض لتدوينة “أفتاتي” أمام الحشود وعلى الملإ، بدل أن يعالج الأمر داخليا مثلما يقع في أية مؤسسة تحترم نفسها والمتعاطفين معها؟ ا
الأعجب من هذا كله، أن “بنكيران” عاد ليعتذر من السيد “أفتاتي” عن وصف “حماقة”، علما أن هذا الوصف إن اتهم به أحدٌ شخصا آخرَ فقد باء به أحدهما، وهذا ما يفيد بأن الأمر لا يعدو مسرحية سيئة الإخراج، هدفها الضحك على الذقون المؤهلة لأن يُضحك عليها، شأنها شأن القبلة المشهورة التي زرعها السيد “عبد اللطيف وهبي”، وزير العدل، على جبين بنكيران، العريض عرض السماوات والأرض، بعدما قال فيه هذا الأخير ما لم يقله مالك في الخمر.
بعدما قضيتُ قرابة عقدين من الزمن في دهاليز حزب العدالة والتنمية، تقلدتُ فيها مناصب ذات قيمة وقدر، من بينها “عضو المجلس الوطني”، و”كاتب إقليمي” لمدينة وجدة، وكتبتُ مؤلفا عن الحزب سنة 2007م تنبأت فيه بأعظم ما وقع فيما بعد، أستطيع أن أجزم، بأن الحزب يحتفظ بالسيد “أفتاتي” عمدا لإنجاز المهمات القذرة، وعلى رأسها الضغط على الداخلية متى رأى الحزب ذلك ضروريا، ومحاولة ليّ ذراع الدولة لضمان نصيبه من الكعكة، مثلما يفعل دائما؛ لكن، هيهات وهيهات أن تنطلي ألاعيب المراهقين على رجالات الدولة العظام، فمثلما أن الوطن غفور، فإن الوطن شديد العقاب.