وجهة نظر

“جيل Z” ناقوس إنذار للأحزاب السياسية!

على إثر الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن مغربية خلال الثلاثة أيام الأخيرة من شهر شتنبر 2025، وتميزت بمشاركة واسعة من فئة الشباب إلى جانب أعداد أخرى غفيرة من النساء والرجال، الذين استجابوا للدعوة التي أطلقها عبر منصات التواصل الاجتماعي مجموعة من الناشطين، تحمل اسم “جيل زد 212” أو “Gen Z 212″، بدا واضحا أن المطالب لم تعد تقتصر فقط على إصلاح منظومتي التعليم والصحة ومكافحة الفساد وخلق مناصب شغل مناسبة لآلاف العاطلين، بل امتدت إلى المطالبة برحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي لم يتبق من ولايته الدستورية عدا بضعة شهور.

وليست هذه المرة الأولى التي تتم فيها المطالبة نهارا جهارا برحيل أخنوش وحكومته، بل سبق أن أطلق ناشطون حملة رقمية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ السنة الثانية من ولايته، بسبب الزيادات المطردة وغير مسبوقة التي عرفتها أسعار المحروقات، وانعكاسها السلبي على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، التي تضررت كثيرا بفعل غلاء أسعار باقي المواد الأساسية والغذائية الواسعة الاستهلاك، حيث كان وسم “أخنوش ارحل” الأكثر تداولا بين عدة وسوم أخرى.

فمما لا شك فيه أن هذه التظاهرات الشبابية بهذا الزخم اللافت التي يقودها حركة “جيل زد 212″، إضافة إلى ما أبداه الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 26 لاعتلاء عرش المملكة، من عدم رضاه عن استمرار المغرب في السير بسرعتين، دون أن تنال القرى والمناطق النائية حظها من التنمية، سيكون لزاما على مدبري الشأن العام العمل بجدية على تجاوز أعطاب منظومتي التعليم والصحة، ومعالجة ملف التشغيل ومكافحة الفساد بجميع أشكاله. والحرص على إرساء ركائز الدولة الاجتماعية، عبر إتمام ورش الحماية الاجتماعية، باعتباره ركيزة أساسية في الدينامية التنموية التي جاء بها النموذج التنموي الجديد، فضلا عن تعميم التغطية الصحية الإجبارية عن المرض، حتى يمكن لكل المغاربة الاستفادة على قدم المساواة من الرعاية الصحية الشاملة.

ولنا أن نتساءل هنا عن دور الأحزاب السياسية التي تستفيد من دعم عمومي سنوي مقابل تأطير المواطنات والمواطنين وخاصة فئة الشباب، في ظل ظهور هذا التعبير الجديد من الاحتجاجات؟ حيث أن هذه الاحتجاجات السلمية التي ترفع شعارات الكرامة والعدالة الاجتماعية، ليس لها من مطالب سوى تلك التي تتعلق بأساسيات الحياة من تعليم وصحة وتشغيل، وتظهر إلى أي حد أصبحت النخب السياسية أكثر انشغالا بالمناصب والمكاسب، بعيدا عن هموم وقضايا الشعب المغربي.

فأين نحن من الفصل السابع من الدستور الذي ينظم عمل الأحزاب السياسية، ويحدد دورها في تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي، والمساهمة في الحياة الوطنية والديمقراطية والتعبير عن إرادة الناخبين؟ وأين هي برامجها التي يفترض أن تستجيب لآمال وأحلام الأجيال الصاعدة؟ إذ لم يعد مقبولا أن يواصل الفاعلون السياسيون ببلادنا ممارسة السياسة من أجل الترقي الاجتماعي وتحقيق مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة، فيما يظل المواطن خارج اهتماماتهم. حيث أن جل الأحزاب السياسية التي تعاقبت على الحكم في السنوات الماضية، لم تقدم بدائل ملموسة لتجاوز الأزمات القائمة والمتوالية، خاصة في التعليم والصحة والتشغيل، إذ رغم ما يتوفر للحكومات من موارد مالية هائلة يظل الشباب خارج أولوياتها…

إذ لا يمكن لدافعي الضرائب أن يستسيغوا صرف الأحزاب السياسية لتلك الميزانيات الضخمة التي تمنحها لها الدولة من المال العام في غير ما رصدت له من أنشطة، حيث أنه بدل استخدام الدعم العمومي السنوي في اتجاه تشجيع المواطنين على الانخراط في العمل السياسي والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية وتأطيرهم أو تكوينهم سياسيا أو تنظيم البيت الداخلي للأحزاب وتعزيز الديمقراطية، يتم تحويله إلى جيوب بعض الأمناء العامين للأحزاب وأبنائهم والموالين لهم، أو إنفاق القسط الأوفر منه في أمور غير ذات جدوى ولا صلة لها من قريب أو بعيد بالعمل السياسي الفعلي.

فمن المؤسف أن تسجل مؤسسات الرقابة مثل هذه الخروقات التي تلازم الأحزاب السياسية منذ سنوات، دون العمل على التصدي لأصحابها واتخاذ ما يلزم من إجراءات صارمة، لتصحيح الوضع أو تعليق الدعم العمومي، أو فرض شروط دقيقة وفق ما هو معمول به في عديد الدول الديمقراطية. مما يستدعي مراجعة فلسفة دعم الأحزاب السياسية وتحديد الأهداف المراد تحقيقها منها وضوح وشفافية، قبل أن تتعمق أزمة الثقة فيها وتتفاقم ظاهرة العزوف الانتخابي.

إن حركة “جيل Z” ما كان لها أن تتأسس في عالم الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي من طرف شباب ولدوا بين أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة، وتخرج للاحتجاج في الشارع على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتفشي الفساد، والمطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية وإصلاح منظومتي الصحة والتعليم، لو كانت الأحزاب السياسية تقوم بدورها الدستوري كاملا.

ونستحضر هنا ما جاء في الخطاب السامي ليوم 29 يوليوز 2017 بمناسبة الذكرى 18 لعيد العرش المجيد، الذي وجه فيه العاهل المغربي انتقادا حادا للنخبة السياسية، إثر تراجع الهيئات السياسية عن دورها، داعيا إلى تطبيق الدستور وآليات المحاسبة على جميع المسؤولين في جميع مناطق المملكة بدون استثناء، عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة أو إقالة كل من ثبت في حقه أي إخلال، ومشيرا كذلك إلى انحراف بعض الفاعلين السياسيين عن العمل السياسي، حيث خاطبهم بالقول “إما أن تقوموا بمسؤولياتكم أو أن تنسحبوا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *