هيئة الإنصاف والمصالحة، وبين "الجيل الثاني من الضحايا" من الإسلاميين
سياسة

حقوقي: العدالة الانتقالية فشلت في إنصاف الإسلاميين.. والمغرب يحتاج “جبهة موحدة” لإنهاء الانتهاكات

في شهادة مزدوجة كضحية سابق لـ”سنوات الرصاص” ومسؤول سابق بهيئة الإنصاف والمصالحة، وجّه الدكتور محمد حقيقي، نائب رئيس الرابطة العالمية للحقوق والحريات، انتقادات حادة لمسار العدالة الانتقالية في المغرب، معتبرا أنه فشل في وضع حد للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأنتج جيلا جديدا من الضحايا من المعتقلين الإسلاميين السابقين الذين لا يزالون يعانون من التهميش والإقصاء.

جاء ذلك خلال مداخلة ألقاها حقيقي، مساء الأربعاء 01 أكتوبر 2025، في ندوة نظمتها “تنسيقية الكرامة واليقظة للعدالة الإنتقالية” بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، حول معاناة قدماء المعتقلين الإسلاميين ومطالبهم في الإدماج.

وانطلاقا من تجربته المزدوجة، رسم “حقيقي” مقارنة صارخة بين جيل ضحايا “سنوات الرصاص” الذين توحدوا ضمن “المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف” ودفعوا نحو تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، وبين “الجيل الثاني من الضحايا” من الإسلاميين الذين اعتقلوا بعد أحداث 11 شتنبر 2001 و16 ماي 2003.

وأكد حقيقي أن الرهان الذي عُقد على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، خاصة تلك المتعلقة بـ”ضمانات عدم التكرار”، قد فشل فشلا ذريعا، قائلا: “لم تلبث الانتهاكات الجسيمة أن عادت خلال العهد الجديد”، مشيرا إلى أن هذه العودة تزامنت مع إقرار قانون مكافحة الإرهاب، الذي فتح الباب، بحسبه، أمام ممارسات خطيرة.

وفصّل المتحدث في طبيعة هذه الانتهاكات التي وثقتها منظمات حقوقية وطنية ودولية، ومنها “الاختطاف والاختفاء القسري في مراكز سرية على رأسها سجن تمارة”، و”ممارسة التعذيب لانتزاع اعترافات”، و”المحاكمات غير العادلة” التي استندت إلى تلك الاعترافات كأدلة إدانة رئيسية، مستشهدا بتقارير لمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وقرارات أممية، وصولا إلى تصريح ملكي لجريدة “إلباييس” سنة 2005 أقرّ فيه بوجود “تجاوزات”.

معاناة ما بعد السجن.. و”انقلاب” على اتفاق 2011

بعد قضاء محكومياتهم، يواجه هؤلاء المعتقلون المفرج عنهم، حسب حقيقي، جدارا من المعاناة يتمثل في “الوصمة الاجتماعية، الإقصاء، البطالة، استمرار المضايقات، والأمراض البدنية والنفسية”، منتقدا تعامل المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع ملفهم الذي “اختزله في برامج الرعاية اللاحقة وتنصل من مهامه في جبر الضرر”.

وكشف حقيقي عن فرصة تاريخية ضائعة لإغلاق الملف، تمثلت في “اتفاق 25 مارس 2011” الذي تم التوصل إليه بين ممثلين عن المعتقلين الإسلاميين وجهات رسمية وحقوقية (كان حقيقي شاهدا عليه)، والذي نص على إطلاق سراح المعتقلين ومعالجة ملفاتهم. وأضاف بأسف: “بعد إطلاق سراح الدفعة الأولى، حصل انقلاب على الاتفاق، ودخلنا في فصل جديد من الانتهاكات داخل السجون”.

ولمواجهة هذا الواقع، الذي وصفه بـ”النفق المسدود”، اقترح الدكتور حقيقي خارطة طريق للخروج من الأزمة، تتمثل في تأسيس “جبهة موحدة لمناهضة الانتهاكات الجسيمة والوفاء بمستحقات العدالة الانتقالية”، على غرار “المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف” سابقا.

وربط حقيقي دعوته بالظرفية الحالية التي تشهد “إرهاصات حراك شعبي” واستعداد المغرب لتنظيم استحقاقات كبرى كالانتخابات وكأس العالم 2030، ما يستدعي “تمتين الثقة بين الدولة والمواطن”.

واقترح حقيقي أن ترتكز مهام هذه الجبهة الموحدة على خارطة طريق واضحة، تبدأ بالعمل الجاد على إتمام تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لكشف الحقيقة الكاملة، والسعي لخلق مناخ سياسي ملائم يسمح بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والإسلاميين. كما شدد على ضرورة فتح تحقيق مستقل في الانتهاكات التي طالت المعتقلين لتحديد المسؤوليات، كخطوة أساسية لا يمكن تجاوزها.

وعلى المستوى المتعلق بالضحايا مباشرة، تهدف الخطة إلى تحقيق جبر ضرر شامل لا يقتصر على التعويض المادي فحسب، بل يمتد ليشمل الإدماج الاجتماعي، والتأهيل الصحي والنفسي. وتُتوَّج هذه الإجراءات بخطوة رمزية بالغة الأهمية، تتمثل في تقديم الدولة اعتذارا رسمياً للضحايا وعائلاتهم، بما يرد لهم اعتبارهم ويعيد لهم كرامتهم المسلوبة.

واختتم حقيقي مداخلته بالتأكيد على أن “معركة جبر الضرر هي معركة جماعية ومسؤولية تاريخية”، وأن ملف هؤلاء الضحايا يجب أن يكون من صميم اختصاص المجلس الوطني لحقوق الإنسان، داعيا إلى تضافر الجهود لأن “ما ضاع حق وراءه طالب”.