وجهة نظر

رسالة من زمن آخر إلى جيل “z”

في هذه الأيام التي تعيش بلادنا هذه الأحداث، وجدت نفسي كأم بعيدة عن وطني، أعيش قلقا مضاعفا. ابني هناك، وأنا هنا، وبين المسافة والظروف ازداد خوفي حتى غلبتني الدموع. لا أكف عن الاتصال به، أطمئن على يومه، ألح عليه أن يتجنب الخروج، وهو بدوره يهدئ من روعي ويؤكد أن الأمر لا يستحق كل هذا القلق. لكن، أي قلب أم يقتنع بسهولة؟

فجأة، وبدون مقدمات، ظهر ما يسمى “جيل زاد”، شباب خرجوا إلى الشارع يرفعون أصواتهم ويطالبون بحقوقهم، محتجين على أوضاع يرونها لا تليق بهم. في البداية، كباقي الناس، حاولت أن أفهم معنى هذه التسمية، فبحثت وقرأت، ثم كتبت تدوينة قصيرة لطيفة، أشدت فيها بهم رغم أنني لم أكن مستعدة تماما للخوض في هذا الموضوع.

اليوم، بعد تفكير أعمق، قررت أن أكتب من جديد، لكن بصفتي أما، وامرأة تقليدية عاشت زمنا آخر، زمن كانت فيه الأمهات يتحدثن إلينا بلغة صريحة مليئة بالحكمة.
أرغب ان أحدث أبنائي جيل زاد بصرامة الام الشعبية التي عاشت في فترة مختلفة تماما عما يعيشهونه.

أول ما شدني هو اختيار حرف “الزاد”، كأنهم يعلنون أنهم آخر جيل، وبعدهم سيتوقف التاريخ! والحقيقة أن الحياة لا تتوقف عند أحد، فكما كبرنا نحن وكتبنا عن أجيال قبلنا، سيكبرون هم أيضا ويكتب عنهم من بعدهم. ليتهم تركوا للحروف الأبجدية امتدادا للأحفاد القادمين.

أما هذا الجيل، فأراه جيلا محظوظا إلى حد كبير. نشأ في زمن كانت فيه أغلب الأمهات متعلمات، وهو امتياز لم نحظ به نحن.

جيل لم يعرف قيمة الأشياء: لا سعر الطماطم، ولا ثمن قنينة الزيت، ولا حجم ما ندفعه في فواتير الماء والكهرباء. جيل استهلاكي، يعيش على الطلبات الجاهزة: بيتزا، طاكوس، برغر… بينما يعبسون في وجه أطباقنا التقليدية: الكسكس، واللحم بالبطاطا والزيتون.
لقد حملنا عنهم الكثير: كنا سائقاتهم، مربياتهم، ومعلماتهم. حملنا محافظهم عنهم يوم كانوا أطفالا، وواصلنا حمل أعبائهم حتى كبروا. وحين نطلب منهم اليوم أن يساعدونا في حمل قفة الخضر التي يحبون هم تناول ما فيها من خضر وفواكه ، يجيبون بتذمر: “ماما أنا تعبان”.في النهاية، نحملها نحن، بينما هم مستلقون في صالونات فسيحة كانت محرمة علينا في أجيال سابقة.

جيل لا يحضر أفراح العائلة، ولا يشارك في احزنها، لا يعرف قاموس العبارات الخالدة في العزاء أو المرض. لا يسلم على الضيوف، ولا يجلس مع الخالات والعمات، بحجة أنهم مشغولون جدا وهم فقط مدمنون على ألعاب إلكترونية. جيل لم يذق متعة اللعب الجماعي في الأزقة، ولم يتعارك مع أقرانه في الدروب. عالمهم ضاق حتى صار بين جدران غرفة وهاتف، يعرفون ما يحدث في أقصى العالم، لكنهم لا يعرفون تفاصيل بيوتهم.

هم جيل يأمر، ونحن ننفذ، كأننا موظفون في شركاتهم الوهمية. جيل نتابع قصص حبهم على الملأ، ونعيش معهم صدمات الفشل العاطفي، بينما كان الحب في زمننا جريمة تمس شرف العائلة. جيل يهرب من المسؤولية، يعلق أخطاءه على الآباء، وينتظر منا أن نتوسل للأساتذة كي يراعوا نفسيتهم. ونحن؟ كنا نعنف ونعاقب ونعتبر الأمر طبيعيا، بل ضروريا و تفرح امهاتنا بعقابنا و تزيد عليه بالشكر والتقدير للمعلم الذي نوفه التبجيلا فقد كاد ان يكون رسولا هكذا تعلمنا و كنا مقتنعين بكل أبيات الشعر التي كتبت في المعلم.
هذا الجيل توفرت له كل شروط العيش الكريم، وأكثر من ذلك حتى وصل إلى “التخمة”. وأذكر هنا مقولة أمهاتنا وجداتنا التي كن يرددنها على مسامعنا : “شبعتوا خبز”. نعم، نحن شبعنا خبزا رغم القهر، أما هم فقد أصابتهم تخمة الراحة حتى ثقلت عقولهم.

جيل متسرع، لا يعطي وقته لفهم الحياة على أرض الواقع، لا يبحثون في التراث و لا يتعبون التقاليد فقد اختلطت عليهم الأمور فهم يعيشون جسديا في المغرب لكن روحهم تتسكع في العالم بين أوروبا و امريكا وكل الدول المتقدمة وعندما يخرجون من ( الكاسك السحري) كمن يضع القبعة السحرية يتصادمون مع الواقع ،يجدوني انا بوجهي الأصفر و شعري المنكوش و كل الأمهات الطيبات نتسابق مع الزمن لتحضير وجبة الغذاء و بعدها ،العشاء مرورا بالعصرونية ( Le goûter )

فيحدث لهم ما يسمى صدمة الثقافات( choque de culture )
لذلك أقول لهم اليوم بصفتي أما: أنتم لا تزالون صغارا، وما زال أمامكم الكثير لتتعلموه عن معنى الحياة. النضال لا يكون بالخروج المفاجئ ولا بالفوضى، بل بالعلم، بالوعي، بالمسؤولية. اقرأوا أولا، تعلموا، عيشوا تجاربكم، ثم اخرجوا لتدافعوا عن حقوقكم بعقلانية وسلمية، كما يليق بأجيال تريد أن تصنع الفرق.

هذه كلمتي لكم من قلب أم، من امرأة عاشت زمنا غير زمنكم، وما زالت تكافح وتعمل لتكسب ما أرهقنا نحن في جمعه تصرفونه انتم على وجبة عشاء في مطعم فاخر.
دمتم.

تعليقات الزوار