وجهة نظر

هل نحن بحاجة إلى 36 حزبا في المغرب؟

ملخص المقال

رغم وجود 36 حزباً مسجلاً، إلا أن عدداً كبيراً منها غائب عن الساحة، بلا أنشطة ولا نتائج انتخابية تُذكر. هذا التضخم العددي يُفقد السياسة جديتها ويزيد من أزمة الثقة.

من أجل عقلنة المشهد الحزبي، يُقترح حلّ الأحزاب التي لم تتجاوز 3% من الأصوات في استحقاقين تشريعيين متتاليين، وربط التمويل العمومي بالنتائج الحقيقية، مع تشجيع الاندماجات بين الأحزاب الصغيرة وتعزيز الديمقراطية الداخلية.

نص المقال

التعددية الحزبية ليست في العدد بقدر ما هي في الفاعلية، والمغرب في حاجة إلى أحزاب قوية تُؤطر المواطنين وتقدم بدائل واقعية، لا إلى كيانات ورقية.

يشهد المغرب اليوم وجود ما يقارب 36 حزباً سياسياً مسجلاً قانونياً، لكن الملاحَظ أن عدداً كبيراً منها يكاد يكون غائباً تماماً عن المشهد العملي، سواء من حيث الأنشطة الميدانية أو من حيث نتائج الانتخابات أو حتى من حيث عدد المنخرطين. هذه الوضعية تثير تساؤلات حول جدوى هذا الحجم من التعددية إذا لم يترجم إلى حضور فعلي في الساحة السياسية والمجتمع.

1. التعددية السياسية: بين المبدأ والواقع

مبدئياً، التعددية الحزبية تعتبر إحدى ركائز النظام الديمقراطي، إذ تمنح المواطنين حرية الاختيار وتُفترض أن تعكس تنوع الرؤى داخل المجتمع. غير أن الممارسة العملية تكشف عن تشظٍّ مبالغ فيه يؤدي إلى إضعاف الأحزاب نفسها، ويجعلها غير قادرة على القيام بأدوارها الدستورية في التأطير والاقتراح وصناعة البدائل.

نتائج الانتخابات الأخيرة توضح هذه المفارقة؛ إذ إن عدداً كبيراً من الأحزاب لم يتمكن من الظفر بمقاعد برلمانية، أو حصل على نسب ضعيفة لا تعكس قاعدة جماهيرية حقيقية.

2. الحاجة إلى عقلنة المشهد الحزبي

من أجل الارتقاء بالعمل الحزبي وتفادي التمييع، يُطرح خيار إعادة النظر في شروط بقاء الأحزاب. إحدى الآليات المقترَحة هي حلّ الأحزاب التي لا تتجاوز نسبة 3% من الأصوات في استحقاقين تشريعيين متتاليين. هذا الإجراء من شأنه أن يحد من التضخم العددي، ويُبقي فقط الأحزاب التي تتمتع بقاعدة انتخابية وتنظيمية حقيقية.

التجارب الدولية تبين أن ضبط المشهد الحزبي لا يعني تقليص التعددية بقدر ما يعني تعزيز التعددية الفاعلة على حساب التعددية الشكلية.

3. آليات عملية مقترحة لعقلنة المشهد

1. وضع عتبة انتخابية ملزمة للأحزاب من أجل الاستمرار القانوني.

2. ربط التمويل العمومي بالتمثيلية الانتخابية مع إلزامية الشفافية في الحسابات المالية.

3. تشجيع الاندماجات الحزبية عبر حوافز قانونية ومالية، لتقليص التشظي وتعزيز الكتل القوية.

4. تقييد الاعتراف بالأحزاب التي لا تقدم برامج عملية أو لا تنشط ميدانياً في التأطير والتكوين.

5. دعم الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب لضمان تجديد النخب وتوسيع المشاركة.

خاتمة

المشهد الحزبي في المغرب يبرز مفارقة واضحة بين كثرة الأحزاب وقلة الفاعلية السياسية. التعددية، بصفتها مبدأً ديمقراطياً، تفقد قيمتها حين تتحول إلى مجرد تعددية شكلية لا تنتج قوة سياسية حقيقية. إن وضع آليات عقلنة واضحة، سواء من خلال العتبة الانتخابية أو ربط التمويل بالنتائج أو تشجيع الاندماج، يشكل خطوة ضرورية نحو مشهد سياسي أكثر نجاعة وارتباطاً بالواقع المجتمعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *