أدب وفنون

إلغاء حفلات وتأجيل إصدار الأغاني.. احتجاجات “جيل Z” تربك المشهد الفني

تشهد الساحة الفنية المغربية حالة من الارتباك، في ظل تواصل موجة الاحتجاجات التي تقودها حركة “جيل Z” منذ أكثر من أسبوع في عدد من المدن المغربية، للمطالبة بإصلاحات سياسية واجتماعية عميقة، وعلى رأسها تحسين خدمات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد.

وألقت هذه التحركات الشعبية المتسارعة بظلالها الثقيلة على القطاع الفني، حيث اختار عدد من الفنانين تعليق أنشطتهم الفنية وتأجيل حفلاتهم وإصداراتهم، تعبيرا عن تضامنهم مع نبض الشارع، واحتراما لمناخ الحزن والترقب الذي يخيم على البلاد.

المغنية خولة مجاهد، المعروفة بلقب “جايلان”، كانت من أوائل الفنانين الذين اتخذوا قرارا بإيقاف نشاطهم الفني مؤقتا، فقد أعلنت عبر حساباتها الرسمية، عن تأجيل حفليها المبرمجين بكل من باريس (4 أكتوبر) وبروكسيل (7 أكتوبر)، ضمن أول جولة دولية لها، مؤكدة أن “الاحتفال لا مكان له في وقت يمر فيه الوطن بلحظات استثنائية”.

وأضافت جايلان في رسالتها إلى جمهورها: “أشكركم على تفهمكم ودعمكم، وموعدنا سيكون قريبا في ظروف أفضل”، مع إتاحة إمكانية استرجاع ثمن التذاكر إلى حين تحديد مواعيد جديدة.

من جهتها، أعلنت المغنية ريم فكري عن تأجيل حفلها الفني الذي كان مقررا يوم 10 أكتوبر الجاري بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، مشيرة إلى أن “الغناء لا يمكن أن يكون أولوية في وقت يحتاج فيه الوطن إلى الصبر والتماسك والدعاء”.

وأثارت هذه الخطوة صدى واسعا في صفوف محبيها، الذين عبروا عن تفهمهم للموقف واعتبروه تعبيرا نبيلا عن روح المسؤولية الاجتماعية للفنان.

كما أعلن الرابور المغربي زكرياء بناجي الشهير بـ“البنج”، عبر تدوينة على “إنستغرام”، إلغاء جميع حفلاته المقررة في الأسابيع المقبلة، مؤكدا أن “الأوضاع الحالية لا تسمح بأي أجواء احتفالية”.

واختار المغني طاوسن تأجيل طرح أحدث إصدراته الغنائية، موضحا أن هذا القرار “ينسجم مع الحالة التي يعيشها الشارع المغربي”، على أن يتم إصدار العمل لاحقا إذا ما استقرت الأوضاع.

وفي ذات السياق، أعلنت الجهة المنظمة للحفل الذي كان يرتقب أن يجمع الرابور “دون بيغ” والفرقة الموسيقية الشهيرة “هوبا هوبا سبيريت” خلال هذا الشهر عن تأجيله إلى موعد غير محدد، وهو الأمر نفسه الذي طال الحفل الكبير الذي كان سيجمع المغنيين اللبنانيين آدم ومحمد شاكر وعبير نعمة في مدينة الدار البيضاء، حيث جرى تأجيله إلى أجل غير مسمى، مراعاة للظرفية الوطنية الراهنة.

ولم يقتصر تفاعل الفنانين على تأجيل أنشطتهم فحسب، بل عبر عدد كبير منهم عن تضامنهم العلني مع مطالب الشباب عبر مقاطع فيديو وتدوينات على شبكات التواصل الاجتماعي.

ونشر مغنون وممثلون ومؤثرون مغاربة رسائل تعبر عن دعمهم لحركة “جيل Z”، داعين إلى “الإنصات لصوت الشارع والقيام بإصلاحات حقيقية بدل الاكتفاء بالحلول الترقيعية”.

واستغل بعض الفنانين منصاتهم الواسعة للتأكيد على ضرورة الحوار والتهدئة، فيما اختار آخرون الصمت تضامنا، عبر تغيير صور حساباتهم إلى اللون الأسود أو رموز احتجاجية.

وتضع هذه التطورات المتسارعة القطاع الفني المغربي أمام اختبار صعب، حيث يواجه الفنانون والمنتجون منظومة معقدة من التحديات، تجمع بين الالتزام الأخلاقي تجاه المجتمع من جهة، والضغوط الاقتصادية المرتبطة بعقود الإنتاج والحفلات من جهة أخرى.

ويرى نقاد فنيون أن هذا الموقف الجماعي يعكس تحولا لافتا في وعي الفنان المغربي، الذي لم يعد منعزلا عن قضايا المجتمع، بل أصبح فاعلا فيها، وهو ما ينسجم مع الروح التي تميز جيل الشباب المحتج اليوم.