منتدى العمق

المطلب الدستوري الغائب: قراءة في جدل إعفاء رئيس الحكومة

أثارت مبادرة حركة GenZ المطالِبة بإعفاء رئيس الحكومة جدلا واسعا في الساحة السياسية المغربية، إذ تعكس في العمق أزمة ثقة متنامية لدى فئة واسعة من الشباب تجاه الأحزاب والمؤسسات التمثيلية. فوسط وضع اجتماعي واقتصادي صعب، وشعور متزايد بالخيبة من أداء النخب السياسية، برزت الحركة كمعبر عن جيل جديد يبحث عن آليات بديلة للتغيير والمساءلة. غير أن هذا المطلب يطرح سؤالا دستوريا بالغ الأهمية: هل يملك الملك فعلا صلاحية إعفاء رئيس الحكومة بشكل مباشر وفق دستور 2011، أم أن الأمر يظل مجرد مطلب سياسي يصطدم بحدود النص الدستوري وروحه؟

إن من أبرز إيجابيات دستور 2011 أنه حد من هيمنة المؤسسة الملكية على الحياة السياسية، من خلال تحديده الدقيق لاختصاصاتها وصلاحياتها. ومن بين هذه الصلاحيات نجد مسألة تعيين رئيس الحكومة، حيث نص الفصل 47 من الدستور على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر لانتخابات أعضاء مجلس النواب، وهو ما شكل قطيعة مع مقتضيات دستور 1996، الذي كان يخول للملك في فصله 24 تعيين الوزير الأول من أي حزب، دون التقيد بنتائج الانتخابات التشريعية. غير أن الإشكال يطرح عند الحديث عن إعفاء رئيس الحكومة. فالدستور لم يمنح هذه الصلاحية للمؤسسة الملكية بشكل مباشر، حيث نص الفصل 47 على أن للملك، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، كما يمكن لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر بناءً على استقالتهم الفردية أو الجماعية. كما أكد النص أن استقالة رئيس الحكومة تترتب عنها استقالة الحكومة بكاملها من لدن الملك. وبالتالي، فإن الإعفاء المباشر لرئيس الحكومة لا يدخل ضمن الصلاحيات الملكية، إلا إذا استُند إلى الفصل 42 الذي قد يمنح للملك صلاحيات استثنائية بصفته “رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها”.

وقد استند الملك إلى هذا الفصل في إعفاء عبد الإله بنكيران بعد تعثره في تشكيل الحكومة، غير أن هذا الإجراء تم في ظرفية خاصة، حيث لم تكن الحكومة قد نُصبت بعد ولم تحز الثقة البرلمانية، فبالتالي أعفي بنكيران بعد عجزه عن تشكيل حكومة غير منصبة. أما في حالة حكومة منصبة ومُعينة، فإن تطبيق الفصل 42 لإعفاء رئيسها يظل محل نقاش، وقد يفتح جدلا واسعا حول مدى انسجامه مع روح الوثيقة الدستورية.

وبالعودة إلى مطلب حركة GenZ، يبدو أن الدعوة إلى إعفاء رئيس الحكومة لا تجد سندا دستوريا صريحا. وكان من الأجدر بالحركة لدسترة مطالبها أن تتجه نحو المطالبة بحل البرلمان استنادا إلى الفصل 96، الذي أحيل عليه في الفصل 51، والذي يخول للملك صلاحية حل أحد مجلسي البرلمان أو هما معا. وهذا المطلب ينسجم مع منطق الحركة التي ترى أن الأحزاب السياسية فقدت ثقة المواطنين، وبالتالي فإن البرلمان باعتباره مؤسسة تضم هذه الأحزاب في تركيبتها لم يعد يعكس الإرادة الشعبية. وحل البرلمان يؤدي عمليا إلى سقوط الحكومة بفقدانها أغلبيتها البرلمانية وسحب الثقة منها.

غير أن هذا الخيار بدوره محفوف بإشكالات عملية، إذ ينص الفصل 97 على ضرورة انتخاب برلمان جديد في ظرف شهرين، وهو ما يطرح تساؤلا حول جدوى الانتخابات إذا كان شباب الحركة يعلنون فقدانهم الثقة في الأحزاب السياسية نفسها. كما يضيف الفصل 98 قيدا آخر، إذ يمنع حل المجلس الثاني إلا بعد مرور سنة على انتخابه، باستثناء حالة تعذر تشكيل أغلبية حكومية داخل مجلس النواب الجديد.

وأمام هذه القيود، يبقى الخيار الآخر نظريا هو اللجوء إلى الفصل 59 المتعلق بإعلان حالة الاستثناء، في حالة تهديد الوحدة الترابية أو حدوث أحداث تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية. ويخول هذا الفصل للملك، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة، اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجاوز الأزمة. غير أن المفارقة تكمن في أن البرلمان لا يُحل في حالة الاستثناء، وهو ما يتعارض أيضا مع تعبير شباب الحركة بفقدانهم الثقة في كل من البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية في خاتمة ملفهم المطلبي.

خلاصة القول، إن مطلب إعفاء رئيس الحكومة لا يجد له سندا في فصول الدستور، بينما قد يشكل حل البرلمان أو الدعوة إلى تعديل دستوري لتوضيح صلاحيات المؤسسة الملكية في هذا المجال خيارين أكثر انسجاما مع المنطق الدستوري، وتماشيا مع مطالبهم، وإن كانا بدورهما محفوفين بقيود وإشكالات عملية وسياسية عميقة.