منتدى العمق

احتجاجات الشباب.. وماذا بعد؟

إذا أزحنا جانبا نظرية المؤامرة، وإن كانت احتماليتها قائمة نظرا لوجود عداء مزمن من طرف بعض الجهات للمغرب ومحاولة أخرين إخضاعه وفق أجندتهم وما يخدم مصالحهم، فإن ما يحدث من احتجاجات شبابية في مناطق عدة في المغرب هو تحصيل حاصل وأمر متوقع إجمالا نتيجة لشروط داخلية قد أينعت، حتى وإن ظلت ساعة الصفر مجهولة، وتلك ميزة ما يسمى بالحركات الاجتماعية الجديدة.

ما راكمته الدولة بحكوماتها المتعاقبة من سياسات فاشلة، تعتمد على التقشف في الميزانيات الموجهة للمجالات الحيوية الأساسية كالتعليم والصحة والتشغيل والمماطلة في الاستجابة لأبسط احتياجات المواطن الأساسية، مقابل بسط الأيادي كل البسط حد الإسراف على ميادين ثانوية تعد في خانة الكماليات، والإصرار غير المفهوم على تنظيم مهرجانات تلصق قسرا بالفن وهو منها برئ، أثارت وتتير امتعاض المواطن المغربي منها، رغم أنه عبر مرارا عن سخطه وكفره بها. إلى جانب تنظيم تظاهرات رياضية تقام لها الملاعب في مدة قياسية وتوفر لها الأموال في رمشه عين والتلكؤ في إصلاح طريق ملئ بالحفر أو بناء مدرسة أو مستشفى يعالج فيها البسطاء من علل الجسد قبل النفس. هذا التراكم كان لا بد أن يؤجج بركان غضب المواطن المغربي المغلوب على أمره ويؤدي به إلى الانفجار، خاصة وسط فئة شابة نشأت وترعرعت في كنف وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وما تتيحه التكنولوجيا الرقمية من فرص تواصلية وتعبوية هائلة، عجزت أجهزة الدولة على مسايرتها والتنبؤ بها.

تاريخيا عرف المغرب احتجاجات قوية في كل عشرية تقريبا منذ الاستقلال وعلى رأسها حركة 20 فبراير وحراك الريف الذي كانت من بين مطالبه أيضا إصلاح القطاع الصحي، ربما من حكم القدر أو من سخريته! احتجاجات تعاملت معها الدولة وفق سياسة إطفاء الحرائق وتدبير الأزمة عوض البحث في أسبابها والعمل على حلها جذريا. هو نفس المنطق القديم ما يزال راسخا في ذهن الكثير من المسؤولين، يصرون على استدعائه ابان كل أزمة، يعالجون مشاكل الحاضر بتقنيات الماضي البائد، مهدئات لحظية وحلول ترقيعية ثم العود إلى ممارسة هويتهم المفضلة؛ الإجهاز على ما تبقى من المرفق العمومي. وبعد ذلك تتوالى الإشارات السلبية المستفزة للشعب وكأننا في دورة خلدونية قصيرة، فماذا يعني مثلا سحب مشروع تجريم الإثراء غير المشروع أو التضيق على المبلغين عن الفساد والتقاضي ضده حد الاستحالة في قانون المسطرة الجنائية والمسارعة إلى نشره في الجريدة الرسمية دون إحالته على المحكمة الدستورية للبث فيه، أو اعتماد قانون إضراب يصح فيه القول إنه قانون منع الإضراب، جاء لتكبيل حق دستوري نصت عليه المواثق الدولية. هذا فضلا عن تهم الفساد والفضائح المتواترة التي يعج بها الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي ولائحة تطول وتطول، لكن المطلب الاجتماعي ما يزال على حاله يتردد لا يتزحزح، تصدح به الحناجر عاليا ويخرج من أجله الشعب يجوب الشوارع والطرقات، فهل من مجيب؟

نحن إذن في مرحلة شديدة الخطورة، داخليا وخارجيا، تستدعي قدرا هائلا من التجرد والحكمة في التعاطي مع مطالب اجتماعية ملحة أكثر من أي وقت مضى، تعني مباشرة أغلب فئات المجتمع وإن نادت بها فئة الشباب، لم تعد تستدعي لا التأجيل ولا المماطلة في الاستجابة لها. لا بد من الانصات لنبض الشعب عامة وللشباب خاصة قبل فوات الأوان، فما كان مقدسا في زمننا لم يعد يعني شيئا لأبنائنا وما كان ممنوعا في الماضي بات مباحا في الحاضر. لكن في المقابل، لا شيء يبرر أعمال العنف والشغب وتخريب الممتلكات العامة والخاصة وترهيب المواطنين، السلمية أولا وأخيرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *