تشهد جماعة الدار البيضاء حالة من البطء الملحوظ في تنفيذ الاتفاقيات والمشاريع المبرمجة، ما أثار تساؤلات واسعة حول أسباب هذا التعثر وانعكاساته على التنمية المحلية بالعاصمة الاقتصادية للمملكة.
ورغم المصادقة على مئات الاتفاقيات داخل المجلس الجماعي، إلا أن نسبة إنجازها لا تتجاوز، وفق تقديرات عدد من المتتبعين، نصف ما تمت برمجته خلال السنوات الأخيرة.
ويرجع هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل، في مقدمتها غياب التنسيق بين المصالح الجماعية، وتعقيد المساطر الإدارية المرتبطة بالمصادقة والتأشير على الاتفاقيات من طرف السلطات الولائية، فضلا عن ضعف المتابعة والمراقبة بعد المصادقة، ما يجعل العديد من المشاريع تتعثر أو تبقى حبيسة الرفوف دون تنفيذ فعلي.
ويؤكد متتبعون للشأن المحلي أن جماعة الدار البيضاء مطالبة بإعادة النظر في آليات إعداد وتنفيذ الاتفاقيات، من خلال اعتماد مقاربة أكثر مهنية ونجاعة، تقوم على دراسة مسبقة دقيقة للجانب القانوني والمالي، وتحديد أولويات واضحة تراعي الحاجيات الملحة للساكنة.
ويرى مهتمون أن استمرار هذا التأخر ينعكس سلبا على صورة المدينة ويؤثر على مناخ الاستثمار وجودة الخدمات، خاصة في ظل التحديات التنموية الكبرى التي تواجه العاصمة الاقتصادية.
كما أن غياب آليات صارمة للمحاسبة والتقييم يجعل المسؤولية غير محددة بشكل واضح، ما يفتح الباب أمام التراخي الإداري وضعف النجاعة في الأداء الجماعي.
ويجمع الفاعلون المحليون على أن تسريع وتيرة تنفيذ الاتفاقيات يمثل المدخل الحقيقي لتجاوز حالة الجمود التي تعرفها مدينة الدار البيضاء، واستعادة الثقة بين الساكنة والمؤسسات المنتخبة، بما يضمن تحقيق التنمية المتوازنة التي تليق بمكانة المدينة كقلب اقتصادي للمملكة.
وقال مصطفى منظور، عضو مجلس جماعة الدار البيضاء، إن العاصمة الاقتصادية تعاني من “خلل بنيوي خطير” يتمثل في التأخر المزمن في تنفيذ الاتفاقيات والمشاريع المبرمجة، معتبرا أن هذا الوضع أصبح بمثابة “مرض مزمن يعرقل التنمية المحلية ويضعف ثقة الساكنة في المجلس الجماعي”.
وأوضح منظور، في تصريح لجريدة العمق المغربي، أن نسبة تنفيذ الاتفاقيات لا تتجاوز في أحسن الأحوال 40 إلى 50 في المائة، وهو رقم يعكس، حسب قوله، حجم التعثر الإداري والجمود الذي يطبع عمل الجماعة.
وأضاف أن العديد من الاتفاقيات، رغم المصادقة عليها داخل المجلس، تبقى حبيسة الرفوف لسنوات دون تفعيل أو تتبع، ما يجعل المشاريع المبرمجة تتآكل مع مرور الوقت وتفقد جدواها الاقتصادية والاجتماعية.
وشدد المتحدث على أن جماعة الدار البيضاء مطالبة اليوم باتخاذ إجراءات استعجالية لتصحيح هذا الخلل، من خلال إحداث لجنة خاصة تضم خبراء ورجال قانون تتولى دراسة جميع الاتفاقيات بشكل دقيق قبل إحالتها على السلطات الولائية، حتى لا تتكرر الأخطاء الشكلية أو القانونية التي تؤدي إلى رفض التأشير عليها من طرف والي جهة الدار البيضاء – سطات.
وأشار منظور إلى أن عددا كبيرا من الاتفاقيات تمت المصادقة عليها فعلاً من طرف المجلس، بل وحتى التأشير عليها من قبل الولاية، غير أن تنفيذها ظل معطلا لأسباب متعددة، من بينها ضعف التنسيق بين المصالح الجماعية، وتعقيد المساطر الإدارية، وغياب المتابعة الميدانية من قبل المسؤولين.
واعتبر المسؤول الجماعي أن هذا التأخر في التنفيذ “لا يمس فقط صورة المجلس أمام الرأي العام، بل يهدد أيضا مستقبل التنمية في المدينة”، مؤكدا أن الدار البيضاء في حاجة إلى نهج جديد قائم على الفعالية والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى تتمكن من استرجاع مكانتها كقاطرة اقتصادية للمملكة.